الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون

                                                                                                                                                                                                                                        لما ذكر تعالى حال الصالح البار لوالديه ذكر حالة العاق وأنها شر الحالات فقال: والذي قال لوالديه إذ دعواه إلى الإيمان بالله واليوم الآخر وخوفاه الجزاء.

                                                                                                                                                                                                                                        وهذا أعظم إحسان يصدر من الوالدين لولدهما أن يدعواه إلى ما فيه سعادته الأبدية وفلاحه السرمدي فقابلهما بأقبح مقابلة فقال: أف لكما أي: تبا لكما ولما جئتما به.

                                                                                                                                                                                                                                        ثم ذكر وجه استبعاده وإنكاره لذلك فقال: أتعدانني أن أخرج من قبري إلى يوم القيامة وقد خلت القرون من قبلي على التكذيب وسلفوا على الكفر وهم الأئمة المقتدى بهم لكل كفور وجهول ومعاند؟ وهما أي: والداه يستغيثان الله عليه ويقولان له: ويلك آمن أي: يبذلان غاية جهدهما ويسعيان في هدايته أشد السعي حتى إنهما -من حرصهما عليه- أنهما يستغيثان الله له استغاثة الغريق ويسألانه سؤال الشريق ويعذلان ولدهما ويتوجعان له ويبينان له الحق فيقولان: إن وعد الله حق ثم يقيمان عليه من الأدلة ما أمكنهما، وولدهما لا يزداد إلا عتوا ونفورا واستكبارا عن الحق وقدحا فيه، فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين أي: إلا منقول من كتب المتقدمين ليس من عند الله ولا أوحاه الله إلى رسوله، وكل أحد يعلم أن محمدا صلى الله عليه وسلم أمي لا يكتب ولا يقرأ ولا تعلم من أحد، فمن أين يتعلمه؟ وأنى للخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا؟

                                                                                                                                                                                                                                        أولئك الذين بهذه الحالة الذميمة حق عليهم القول أي: حقت عليهم كلمة العذاب في جملة أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس [ ص: 1647 ] على الكفر والتكذيب فسيدخل هؤلاء في غمارهم وسيغرقون في تيارهم.

                                                                                                                                                                                                                                        إنهم كانوا خاسرين والخسران فوات رأس مال الإنسان، وإذا فقد رأس ماله فالأرباح من باب أولى وأحرى، فهم قد فاتهم الإيمان ولم يحصلوا على شيء من النعيم ولا سلموا من عذاب الجحيم.

                                                                                                                                                                                                                                        ولكل من أهل الخير وأهل الشر درجات مما عملوا أي: كل على حسب مرتبته من الخير والشر ومنازلهم في الدار الآخرة على قدر أعمالهم ولهذا قال: وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون بأن لا يزاد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية