الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      أسماء بنت أبي بكر ( ع )

                                                                                      عبد الله بن أبي قحافة عثمان أم عبد الله القرشية التيمية ، المكية ، ثم المدنية . [ ص: 288 ]

                                                                                      والدة الخليفة عبد الله بن الزبير ، وأخت أم المؤمنين عائشة ، وآخر المهاجرات وفاة .

                                                                                      روت عدة أحاديث . وعمرت دهرا . وتعرف بذات النطاقين وأمها : هي قتيلة بنت عبد العزى العامرية .

                                                                                      حدث عنها ابناها : عبد الله ، وعروة ، وحفيدها عبد الله بن عروة ، وحفيده عباد بن عبد الله ، وابن عباس ، وأبو واقد الليثي ، وصفية بنت شيبة ، ومحمد بن المنكدر ، ووهب بن كيسان ، وأبو نوفل معاوية بن أبي عقرب ، والمطلب بن عبد الله بن حنطب ، وفاطمة بنت المنذر بن الزبير ، ومولاها عبد الله بن كيسان ، وابن أبي مليكة ، ونافلتها عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير ، وعدة .

                                                                                      وكانت أسن من عائشة ببضع عشرة سنة .

                                                                                      هاجرت حاملا بعبد الله . وقيل : لم يسقط لها سن .

                                                                                      وشهدت اليرموك مع زوجها الزبير .

                                                                                      وهي ، وأبوها ، وجدها ، وابنها ابن الزبير ، أربعتهم صحابيون .

                                                                                      أخبرنا أحمد بن هبة الله : أنبأنا المؤيد الطوسي : أخبرنا أبو عبد الله الفراوي : أخبرنا عبد الغافر الفارسي ، أخبرنا ابن عمرويه ، أخبرنا إبراهيم بن سفيان ، حدثنا مسلم ، حدثنا داود بن عمرو ، حدثنا نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة ، قال : قالت أسماء بنت أبي بكر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني [ ص: 289 ] على الحوض أنظر من يرد علي منكم .

                                                                                      شعبة ، عن مسلم القري قال : دخلنا على أم ابن الزبير ؛ فإذا هي امرأة ضخمة عمياء - نسألها عن متعة الحج ، فقالت : قد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها .

                                                                                      قال عبد الرحمن بن أبي الزناد : كانت أسماء أكبر من عائشة بعشر .

                                                                                      هشام بن عروة ، عن أبيه ، وفاطمة بنت المنذر ، عن أسماء ، قالت : صنعت سفرة النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أبي حين أراد أن يهاجر ، فلم أجد لسفرته ولا لسقائه ما أربطهما ، فقلت لأبي : ما أجد إلا نطاقي ، قال : شقيه باثنين ، فاربطي بهما قال : فلذلك سميت : ذات النطاقين .

                                                                                      ابن إسحاق : حدثني يحيى بن عباد عن أبيه ، عن أسماء ، قالت : [ ص: 290 ] لما توجه النبي صلى الله عليه وسلم من مكة حمل أبو بكر معه جميع ماله - خمسة آلاف ، أو ستة آلاف - فأتاني جدي أبو قحافة وقد عمي ، فقال : إن هذا قد فجعكم بماله ونفسه ، فقلت : كلا ، قد ترك لنا خيرا كثيرا .

                                                                                      فعمدت إلى أحجار ، فجعلتهن في كوة البيت ، وغطيت عليها بثوب ، ثم أخذت بيده ، ووضعتها على الثوب ، فقلت : هذا تركه لنا ، فقال : أما إذ ترك لكم هذا ، فنعم .

                                                                                      ابن إسحاق : حدثت عن أسماء ، قالت : أتى أبو جهل في نفر ، فخرجت إليهم ، فقالوا : أين أبوك ؟ قلت : لا أدري - والله - أين هو ؟ .

                                                                                      فرفع أبو جهل يده ، ولطم خدي لطمة خر منها قرطي . ثم انصرفوا ، فمضت ثلاث لا ندري أين توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إذ أقبل رجل من الجن يسمعون صوته بأعلى مكة ، يقول

                                                                                      : جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين قالا خيمتي أم معبد



                                                                                      قال ابن أبي مليكة : كانت أسماء تصدع ، فتضع يدها على رأسها ، وتقول : بذنبي ، وما يغفره الله أكثر .

                                                                                      وروى عروة عنها قالت : تزوجني الزبير وما له شيء غير فرسه ، فكنت أسوسه وأعلفه ، وأدق لناضحه النوى وأستقي وأعجن ، وكنت [ ص: 291 ] أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي - وهي على ثلثي فرسخ - فجئت يوما والنوى على رأسي ، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر ، فدعاني ، فقال : إخ ، إخ ، ليحملني خلفه ، فاستحييت ، وذكرت الزبير وغيرته .

                                                                                      قالت : فمضى .

                                                                                      فلما أتيت ، أخبرت الزبير ، فقال : والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه . قالت : حتى أرسل إلي أبو بكر بعد بخادم ، فكفتني سياسة الفرس ، فكأنما أعتقني
                                                                                      .

                                                                                      وعن ابن الزبير قال : نزلت هذه الآية في أسماء ، وكانت أمها يقال لها : قتيلة ، جاءتها بهدايا فلم تقبلها ، حتى سألت النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت : لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين .

                                                                                      وفي " الصحيح " قالت أسماء : يا رسول الله إن أمي قدمت ، وهي راغبة ، أفأصلها ؟ قال : نعم ، صلي أمك .

                                                                                      عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة ، عن هشام ، أن عروة قال : [ ص: 292 ] ضرب الزبير أسماء ، فصاحت بعبد الله ابنها ، فأقبل ، فلما رآه ، قال : أمك طالق إن دخلت ، فقال : أتجعل أمي عرضة ليمينك ؟ ! فاقتحم ، وخلصها . قال : فبانت منه .

                                                                                      حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة : أن الزبير طلق أسماء ، فأخذ عروة ، وهو يومئذ صغير .

                                                                                      أسامة بن زيد ، عن محمد بن المنكدر قال : كانت أسماء بنت أبي بكر سخية النفس .

                                                                                      هشام بن عروة ، عن القاسم بن محمد : سمعت ابن الزبير يقول : ما رأيت امرأة قط أجود من عائشة وأسماء ، وجودهما مختلف : أما عائشة فكانت تجمع الشيء إلى الشيء ، حتى إذا اجتمع عندها وضعته مواضعه ، وأما أسماء ، فكانت لا تدخر شيئا لغد .

                                                                                      قال مصعب بن سعد : فرض عمر للمهاجرات : ألفا ألفا ، منهن : أم عبد ، وأسماء .

                                                                                      هشام بن عروة ، عن فاطمة بنت المنذر : أن أسماء كانت تمرض المرضة ، فتعتق كل مملوك لها . [ ص: 293 ]

                                                                                      قال الواقدي : كان سعيد بن المسيب من أعبر الناس للرؤيا ، أخذ ذلك عن أسماء بنت أبي بكر ، وأخذت عن أبيها .

                                                                                      معن بن عيسى : حدثنا شعيب بن طلحة ، عن أبيه : قالت أسماء لابنها : يا بني عش كريما ، ومت كريما ، لا يأخذك القوم أسيرا .

                                                                                      قال هشام بن عروة : كثر اللصوص بالمدينة ، فاتخذت أسماء خنجرا زمن سعيد بن العاص : كانت تجعله تحت رأسها .

                                                                                      قال عروة : دخلت أنا وأخي - قبل أن يقتل - على أمنا بعشر ليال ، وهي وجعة ، فقال عبد الله : كيف تجدينك ؟ قالت : وجعة . قال : إن في الموت لعافية . قالت : لعلك تشتهي موتي ، فلا تفعل ، وضحكت ، وقالت : والله ، ما أشتهي أن أموت ، حتى تأتي على أحد طرفيك : إما أن تقتل فأحتسبك ، وإما أن تظفر فتقر عيني . إياك أن تعرض على خطة فلا توافق ، فتقبلها كراهية الموت .

                                                                                      قال : وإنما عنى أخي أن يقتل فيحزنها ذلك .

                                                                                      وكانت بنت مائة سنة . [ ص: 294 ]

                                                                                      ابن عيينة : حدثنا أبو المحياة ، عن أمه ، قال : لما قتل الحجاج ابن الزبير ، دخل على أسماء وقال لها : يا أمه ، إن أمير المؤمنين وصاني بك ، فهل لك من حاجة ؟ قالت : لست لك بأم ، ولكني أم المصلوب على رأس الثنية ، وما لي من حاجة ، ولكن أحدثك : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يخرج في ثقيف كذاب ، ومبير فأما الكذاب فقد رأيناه - تعني المختار - وأما المبير فأنت .

                                                                                      فقال لها : مبير المنافقين .

                                                                                      أحمد بن يونس : حدثنا أبو المحياة يحيى بن يعلى التيمي ، عن أبيه ، قال : دخلت مكة بعد قتل ابن الزبير بثلاث - وهو مصلوب - فجاءت أمه عجوز طويلة عمياء ، فقالت للحجاج : أما آن للراكب أن ينزل ؟ فقال : المنافق ؟ قالت : والله ما كان منافقا ، كان صواما قواما برا . قال : انصرفي يا عجوز ، فقد خرفت . قالت : لا - والله - ما خرفت منذ سمعت رسول الله يقول : في ثقيف كذاب ومبير . . . الحديث .

                                                                                      ابن عيينة ، عن منصور بن صفية ، عن أمه ، قالت : قيل لابن عمر : إن أسماء في ناحية المسجد - وذلك حين صلب ابن الزبير - فمال إليها ، فقال : إن هذه الجثث ليست بشيء ، وإنما الأرواح عند الله ، فاتقي الله واصبري . [ ص: 295 ]

                                                                                      فقالت : وما يمنعني ، وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل .

                                                                                      أيوب ، عن ابن أبي مليكة قال : دخلت على أسماء بعدما أصيب ابن الزبير ، فقالت : بلغني أن هذا صلب عبد الله ، اللهم لا تمتني حتى أوتى به ، فأحنطه وأكفنه .

                                                                                      فأتيت به بعد ، فجعلت تحنطه بيدها ، وتكفنه بعدما ذهب بصرها .

                                                                                      ومن وجه آخر - عن ابن أبي مليكة - : وصلت عليه ، وما أتت عليه جمعة إلا ماتت .

                                                                                      شريك ، عن الركين بن الربيع ، قال : دخلت على أسماء بنت أبي بكر ، وقد كبرت ، وهي تصلي ، وامرأة تقول لها : قومي ، اقعدي ، افعلي من الكبر .

                                                                                      قال ابن سعد : ماتت بعد ابنها بليال . وكان قتله لسبع عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين . [ ص: 296 ]

                                                                                      قلت : كانت خاتمة المهاجرين والمهاجرات .

                                                                                      إسحاق الأزرق ، عن عوف الأعرابي ، عن أبي الصديق الناجي : أن الحجاج دخل على أسماء فقال : إن ابنك ألحد في هذا البيت ، وإن الله أذاقه من عذاب أليم . قالت : كذبت . كان برا بوالدته ، صواما ، قواما ، ولكن قد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه سيخرج من ثقيف كذابان : الآخر منهما شر من الأول ، وهو مبير .

                                                                                      مسندها ثمانية وخمسون حديثا .

                                                                                      اتفق لها البخاري ومسلم على ثلاثة عشر حديثا . وانفرد البخاري بخمسة أحاديث ، ومسلم بأربعة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية