الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      موسى الكاظم ( ت ، ق )

                                                                                      الإمام ، القدوة السيد أبو الحسن العلوي ، والد الإمام علي بن موسى الرضي مدني نزل بغداد .

                                                                                      وحدث بأحاديث عن أبيه . وقيل : إنه روى عن عبد الله بن دينار ، وعبد الملك بن قدامة .

                                                                                      حدث عنه أولاده : علي ، وإبراهيم ، وإسماعيل ، وحسين . وأخواه : علي بن جعفر ، ومحمد بن جعفر ، ومحمد بن صدقة العنبري ، وصالح بن يزيد . وروايته يسيرة لأنه مات قبل أوان الرواية ، رحمه الله .

                                                                                      ذكره أبو حاتم فقال : ثقة صدوق ، إمام من أئمة المسلمين .

                                                                                      قلت : له عند الترمذي ، وابن ماجه حديثان .

                                                                                      قيل : إنه ولد سنة ثمان وعشرين ومائة بالمدينة .

                                                                                      قال الخطيب : أقدمه المهدي بغداد ، ورده . ثم قدمها . وأقام ببغداد في أيام الرشيد ، قدم في صحبة الرشيد سنة تسع وسبعين ومائة ، وحبسه بها إلى أن توفي في محبسه .

                                                                                      [ ص: 271 ] ثم قال الخطيب : أنبأنا الحسن بن أبي بكر ، أنبأنا الحسن بن محمد بن يحيى العلوي ، حدثني جدي يحيى بن الحسن بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين قال : كان موسى بن جعفر يدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده . روى أصحابنا أنه دخل مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسجد سجدة في أول الليل ، فسمع وهو يقول في سجوده : عظم الذنب عندي فليحسن العفو من عندك ، يا أهل التقوى ، ويا أهل المغفرة . فجعل يرددها حتى أصبح .

                                                                                      وكان سخيا كريما ، يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيها ألف دينار . وكان يصر الصرر بثلاثمائة دينار ، وأربعمائة ، ومائتين ، ثم يقسمها بالمدينة ، فمن جاءته صرة استغنى . حكاية منقطعة ، مع أن يحيى بن الحسن متهم .

                                                                                      ثم قال يحيى هذا : حدثنا إسماعيل بن يعقوب ، حدثنا محمد بن عبد الله البكري ، قال : قدمت المدينة أطلب بها دينا فقلت : لو أتيت موسى بن جعفر فشكوت إليه ، فأتيته بنقمى في ضيعته ، فخرج إلي ، وأكلت معه ، فذكرت له قصتي فأعطاني ثلاثمائة دينار . ثم قال يحيى : وذكر لي غير واحد أن رجلا من آل عمر كان بالمدينة يؤذيه ويشتم عليا ، وكان قد قال له بعض حاشيته : دعنا نقتله ، فنهاهم ، وزجرهم .

                                                                                      وذكر له أن العمري يزدرع بأرض ، فركب إليه في مزرعته ، فوجده ، فدخل بحماره ، فصاح العمري لا توطئ زرعنا . فوطئ بالحمار حتى وصل إليه ، فنزل عنده وضاحكه . وقال : كم غرمت في زرعك هذا ؟ قال : مائة دينار . قال : فكم ترجو ؟ قال : لا أعلم الغيب وأرجو أن يجيئني مائتا دينار . فأعطاه ثلاثمائة دينار .

                                                                                      [ ص: 272 ] وقال : هذا زرعك على حاله . فقام العمري فقبل رأسه وقال : الله أعلم حيث يجعل رسالاته . وجعل يدعو له كل وقت . فقال أبو الحسن لخاصته الذين أرادوا قتل العمري : أيما هو خير ؟ ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار ؟ .

                                                                                      قلت : إن صحت ، فهذا غاية الحلم والسماحة .

                                                                                      قال أبو عبد الله المحاملي : حدثنا عبد الله بن أبي سعد ، حدثني محمد بن الحسين الكناني الليثي ، حدثني عيسى بن محمد بن مغيث القرشي ، وبلغ تسعين سنة ، قال : زرعت بطيخا وقثاء وقرعا بالجوانية ، فلما قرب الخير ، بيتني الجراد ، فأتى على الزرع كله . وكنت غرمت عليه وفي ثمن جملين مائة وعشرين دينارا . فبينما أنا جالس طلع موسى بن جعفر ، فسلم ، ثم قال : أيش حالك ؟ فقلت : أصبحت كالصريم . قال : وكم غرمت فيه ؟ قلت : مائة وعشرين دينارا مع ثمن الجملين . وقلت : يا مبارك ، ادخل وادع لي فيها . فدخل ودعا . وحدثني عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : تمسكوا ببقايا المصائب ثم علقت عليه الجملين وسقيته فجعل الله فيها البركة زكت ، فبعت منها بعشرة آلاف .

                                                                                      الصولي ، حدثنا عون بن محمد ، سمعت إسحاق الموصلي غير مرة يقول : حدثني الفضل بن الربيع ، عن أبيه قال : لما حبس المهدي موسى بن جعفر رأى في النوم عليا يقول : يا محمد : فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ؟ قال الربيع : فأرسل إلي ليلا ، فراعني ، فجئته ، فإذا هو يقرأ هذه الآية وكان أحسن الناس صوتا . وقال : علي بموسى بن جعفر فجئته به ، فعانقه وأجلسه إلى جنبه وقال : يا أبا الحسن : إني رأيت أمير [ ص: 273 ] المؤمنين يقرأ علي كذا . فتؤمني أن تخرج علي أو على أحد من ولدي ؟ فقال : لا والله لا فعلت ذلك ; ولا هو من شأني . قال : صدقت . يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار ، ورده إلى أهله إلى المدينة . فأحكمت أمره ليلا ، فما أصبح إلا وهو في الطريق خوف العوائق .

                                                                                      وقال الخطيب : أنبأنا أبو العلاء الواسطي ، حدثنا عمر بن شاهين ، حدثنا الحسين بن القاسم ، حدثني أحمد بن وهب ، أخبرني عبد الرحمن بن صالح الأزدي قال : حج الرشيد فأتى قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعه موسى بن جعفر ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ، يا ابن عم ، افتخارا على من حوله . فدنا موسى وقال : السلام عليك يا أبة ، فتغير وجه هارون ، وقال : هذا الفخر يا أبا الحسن حقا .

                                                                                      قال يحيى بن الحسن العلوي ، حدثني عمار بن أبان قال : حبس موسى بن جعفر عند السندي بن شاهك ، فسألته أخته أن تولى حبسه وكانت تدين ففعل . فكانت على خدمته ، فحكي لنا أنها قالت : كان إذا صلى العتمة ، حمد الله ومجده ودعاه . فلم يزل كذلك حتى يزول الليل . فإذا زال الليل ، قام يصلي حتى يصلي الصبح . ثم يذكر حتى تطلع الشمس ، ثم يقعد إلى ارتفاع الضحى ، ثم يتهيأ ويستاك ، ويأكل . ثم يرقد إلى قبل الزوال ، ثم يتوضأ ويصلي العصر ، ثم يذكر في القبلة حتى يصلي المغرب ، ثم يصلي ما بين المغرب إلى العتمة فكانت تقول : خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل . وكان عبدا صالحا .

                                                                                      وقيل : بعث موسى الكاظم إلى الرشيد برسالة من الحبس يقول : إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء حتى نفضي جميعا إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون .

                                                                                      [ ص: 274 ] وعن عبد السلام بن السندي قال : كان موسى عندنا محبوسا ، فلما مات ، بعثنا إلى جماعة من العدول ، من الكرخ فأدخلناهم عليه ، فأشهدناهم على موته ، ودفن في مقابر الشونيزية .

                                                                                      قلت : له مشهد عظيم مشهور ببغداد . دفن معه فيه حفيده الجواد . ولولده علي بن موسى مشهد عظيم بطوس . وكانت وفاة موسى الكاظم في رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة عاش خمسا وخمسين سنة وخلف عدة أولاد . الجميع من إماء : علي ، والعباس ، وإسماعيل ، وجعفر ، وهارون ، وحسن ، وأحمد ، ومحمد ، وعبيد الله ، وحمزة ، وزيد ، وإسحاق ، وعبد الله ، والحسين ، وفضل ، وسليمان ، سوى البنات ، سمى الجميع : الزبير في " النسب " .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية