الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      مطرف بن عبد الله ( ع )

                                                                                      ابن الشخير ، الإمام ، القدوة ، الحجة ، أبو عبد الله الحرشي العامري البصري ، أخو يزيد بن عبد الله .

                                                                                      [ ص: 188 ] حدث عن أبيه -رضي الله عنه- ، وعلي ، وعمار ، وأبي ذر ، وعثمان ، وعائشة ، وعثمان بن أبي العاص ، ومعاوية ، وعمران بن حصين ، وعبد الله بن مغفل المزني ، وغيرهم . وعن أبي مسلم الجذمي ، وحكيم بن قيس بن عاصم المنقري . وأرسل عن أبي بن كعب .

                                                                                      حدث عنه : الحسن البصري ، وأخوه يزيد بن عبد الله ، وأبو التياح يزيد بن حميد ، وثابت البناني ، وسعيد بن أبي هند ، وقتادة ، وغيلان بن جرير ، ومحمد بن واسع ، وأبو نضرة العبدي ، ويزيد الرشك ، وحميد بن هلال ، وسعيد الجريري ، وابن أخيه عبد الله بن هانئ بن عبد الله بن الشخير ، وعبد الكريم بن رشيد ، وأبو نعامة السعدي ، وخلق سواهم .

                                                                                      أنبأنا ابن أبي الخير ، عن اللبان ، أنبأنا الحداد ، أنبأنا أبو نعيم ، حدثنا يوسف النجيرمي حدثنا الحسن بن المثنى ، حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير ، عن أبيه قال : أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء .

                                                                                      [ ص: 189 ] ذكره ابن سعد فقال روى عن أبي بن كعب وكان ثقة له فضل وورع وعقل وأدب .

                                                                                      وقال العجلي : كان ثقة لم ينج بالبصرة من فتنة ابن الأشعث إلا هو وابن سيرين ، ولم ينج منها بالكوفة إلا خيثمة بن عبد الرحمن ، وإبراهيم النخعي .

                                                                                      قال مهدي بن ميمون : حدثنا غيلان بن جرير ، أنه كان بينه وبين رجل كلام ، فكذب عليه فقال : اللهم إن كان كاذبا فأمته . فخر ميتا مكانه ، قال : فرفع ذلك إلى زياد فقال : قتلت الرجل؟ قال : لا ; ولكنها دعوة وافقت أجلا .

                                                                                      وعن غيلان أن مطرفا كان يلبس المطارف والبرانس ، ويركب الخيل ، ويغشى السلطان ، ولكنه إذا أفضيت إليه ، أفضيت إلى قرة عين .

                                                                                      وكان يقول : عقول الناس على قدر زمانهم .

                                                                                      وروى قتادة عن مطرف بن عبد الله ، قال : فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة ، وخير دينكم الورع .

                                                                                      قال يزيد بن عبد الله بن الشخير : مطرف أكبر مني بعشر سنين ، وأنا أكبر من الحسن البصري بعشر سنين .

                                                                                      قلت : على هذا يقتضي أن مولد مطرف كان عام " بدر " أو عام " أحد " ويمكن أن يكون سمع من عمر وأبي .

                                                                                      [ ص: 190 ] قال ابن سعد : توفي مطرف في أول ولاية الحجاج .

                                                                                      قلت : بل بقي إلى أن خرج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بعد الثمانين ، وأما عمرو بن علي والترمذي ، فأرخا موته في سنة خمس وتسعين . وهذا أشبه .

                                                                                      وفي " الحلية " روى أبو الأشهب ، عن رجل ، قال مطرف بن عبد الله : لأن أبيت نائما وأصبح نادما أحب إلي من أبيت أن قائما وأصبح معجبا .

                                                                                      قلت : لا أفلح -والله- من زكى نفسه أو أعجبته .

                                                                                      وعن ثابت البناني ، عن مطرف قال : لأن يسألني الله -تعالى- يوم القيامة ، فيقول : يا مطرف ، ألا فعلت . أحب إلي من أن يقول : لم فعلت؟ .

                                                                                      جرير بن حازم : حدثنا حميد بن هلال قال : قال مطرف بن عبد الله : إنما وجدت العبد ملقى بين ربه وبين الشيطان ، فإن استشلاه ربه واستنقذه نجا ، وإن تركه والشيطان ، وذهب به .

                                                                                      جعفر بن سليمان : حدثنا ثابت قال : قال مطرف : لو أخرج قلبي ، فجعل في يساري وجيء بالخير ، فجعل في يميني ، ما استطعت أن أولج قلبي منه شيئا حتى يكون الله يضعه .

                                                                                      أبو جعفر الرازي : عن قتادة ، عن مطرف قال : إن هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم ، فاطلبوا نعيما لا موت فيه .

                                                                                      [ ص: 191 ] حماد بن يزيد : عن داود بن أبي هند ، عن مطرف بن عبد الله قال : ليس لأحد أن يصعد فيلقي نفسه من شاهق ، ويقول : قدر لي ربي ; ولكن يحذر ويجتهد ويتقي ، فإن أصابه شيء ، علم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له .

                                                                                      غيلان بن جرير ، عن مطرف قال : لا تقل : فإن الله يقول ، ولكن قل : قال الله تعالى . وقال : إن الرجل ليكذب مرتين ، يقال له : ما هذا؟ فيقول : لا شيء إلا شيء ليس بشيء .

                                                                                      أبو عقيل بشير بن عقبة قال : قلت ليزيد بن الشخير : ما كان مطرف يصنع إذا هاج الناس؟ قال : يلزم قعر بيته ، ولا يقرب لهم جمعة ولا جماعة حتى تنجلي .

                                                                                      وقال أيوب : قال مطرف : لأن آخذ بالثقة في القعود أحب إلي من أن ألتمس فضل الجهاد بالتغرير .

                                                                                      قال غيلان بن جرير : كان مطرف يلبس البرانس والمطارف ، ويركب الخيل ، ويغشى السلطان ، لكن إذا أفضيت إليه ، أفضيت إلى قرة عين .

                                                                                      قال مسلمة بن إبراهيم : حدثنا أبو طلحة بشر بن كثير ، قال : حدثتني [ ص: 192 ] امرأة مطرف أنه تزوجها على ثلاثين ألفا وبغلة وقطيفة وماشطة .

                                                                                      وروى مهدي بن ميمون ، أن غيلان قال : تزوج مطرف امرأة على عشرين ألفا .

                                                                                      قلت : كان مطرف له مال وثروة وبزة جميلة ، ووقع في النفوس . وروى أبو خلدة أن مطرفا كان يخضب بالصفرة .

                                                                                      أخبرنا إسحاق بن أبي بكر ، أنبأنا ابن خليل ، أنبأنا أبو المكارم اللبان ، أنبأنا أبو علي المقرئ ، أنبأنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا يوسف بن يعقوب النجيرمي ، حدثنا الحسن بن المثنى ، حدثنا عفان ، حدثنا همام ، سمعت قتادة يقول : حدثنا مطرف قال : كنا نأتي زيد بن صوحان فكان يقول : يا عباد الله ، أكرموا وأجملوا ; فإنما وسيلة العباد إلى الله بخصلتين : الخوف والطمع .

                                                                                      فأتيته ذات يوم وقد كتبوا كتابا ، فنسقوا كلاما من هذا النحو : إن الله ربنا ، ومحمدا نبينا ، والقرآن إمامنا ، ومن كان معنا كنا وكنا ، ومن خالفنا كانت يدنا عليه وكنا وكنا . قال : فجعل يعرض الكتاب عليهم رجلا رجلا ، فيقولون : أقررت يا فلان؟ حتى انتهوا إلي فقالوا : أقررت يا غلام؟ قلت : لا ، قال -يعني زيدا- : لا تعجلوا على الغلام ، ما تقول يا غلام؟ قلت : إن الله قد أخذ علي عهدا في كتابه ، فلن أحدث عهدا سوى العهد الذي أخذه علي .

                                                                                      فرجع القوم من عند آخرهم ما أقر منهم أحد ، وكانوا زهاء ثلاثين نفسا .

                                                                                      قال قتادة : فكان مطرف إذا كانت الفتنة نهى عنها وهرب ، وكان الحسن ينهى عنها ولا يبرح .

                                                                                      قال مطرف : ما أشبه الحسن إلا برجل يحذر الناس السيل ويقوم بسننه .

                                                                                      [ ص: 193 ] وبه ، قال أبو نعيم حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا إسحاق ، أنبأنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن قتادة قال : كان مطرف بن عبد الله وصاحب له سريا في ليلة مظلمة ، فإذا طرف سوط أحدهما عنده ضوء ، فقال : أما إنه لو حدثنا الناس بهذا ، كذبونا . فقال مطرف : المكذب أكذب - يقول : المكذب بنعمة الله أكذب .

                                                                                      وبه ، حدثنا أبو حامد بن جبلة : حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثنا الحسين بن منصور ، حدثنا حجاج ، عن مهدي بن ميمون ، عن غيلان بن جرير ، قال : أقبل مطرف مع ابن أخ له من البادية -وكان يبدو- فبينا هو يسير سمع في طرف سوطه كالتسبيح فقال له ابن أخيه : لو حدثنا الناس بهذا ، كذبونا . فقال : المكذب أكذب الناس .

                                                                                      وبه ، حدثنا أبو بكر بن مالك ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثنا محمد بن عبيد بن حساب ، حدثنا جعفر بن سليمان ، حدثنا أبو التياح قال : كان مطرف بن عبد الله يبدو ; فإذا كان ليلة الجمعة ، أدلج على فرسه ، فربما نور له سوطه ، فأدلج ليلة حتى إذا كان عند القبور ، هوم على فرسه ، قال : فرأيت أهل القبور ، صاحب كل قبر جالسا على قبره ، فلما رأوني ، قالوا : هذا مطرف يأتي الجمعة قلت : أتعلمون عندكم يوم الجمعة؟ قالوا : نعم ، نعلم ما تقول الطير فيه . قلت : وما تقول الطير؟ قالوا : تقول : سلام سلام من يوم صالح . إسنادها صحيح .

                                                                                      عبد الله بن جعفر الرقي ، حدثنا الحسن بن عمرو الفزاري ، عن ثابت [ ص: 194 ] البناني ورجل آخر ، أنهما دخلا على مطرف وهو مغمى عليه ، قال : فسطعت معه ثلاثة أنوار : نور من رأسه ، ونور من وسطه ، ونور من رجليه ، فهالنا ذلك ، فأفاق فقلنا : كيف أنت يا أبا عبد الله ؟ قال : صالح . فقيل : لقد رأينا شيئا هالنا . قال : وما هو؟ قلنا : أنوار سطعت منك . قال : وقد رأيتم ذلك؟ قالوا : نعم . قال : تلك تنزيل السجدة ، وهي تسع وعشرون آية ، سطع أولها من رأسي ووسطها من وسطي وآخرها من قدمي ، وقد صورت تشفع لي ، فهذه ثوابية تحرسني .

                                                                                      وعن محمد بن واسع قال : كان مطرف يقول : اللهم ارض عنا ; فإن لم ترض عنا فاعف عنا ; فإن المولى قد يعفو عن عبده وهو عنه غير راض .

                                                                                      وعن مطرف أنه قال لبعض إخوانه : يا أبا فلان إذا كانت لك حاجة فلا تكلمني واكتبها في رقعة ; فإني أكره أن أرى في وجهك ذل السؤال .

                                                                                      روى أبو التياح عن يزيد بن عبد الله أن أخاه أوصى أن لا يؤذن بجنازته أحدا وكان يزيد أخو مطرف من ثقات التابعين ، عاش بعد أخيه أعواما .

                                                                                      ابن أبي عروبة : عن قتادة ، عن مطرف قال : لقيت عليا -رضي الله عنه- فقال لي : يا أبا عبد الله ، ما بطأ بك؟ أحب عثمان ؟ ثم قال : لئن قلت ذاك ، لقد كان أوصلنا للرحم ، وأتقانا للرب .

                                                                                      وقال مهدي بن ميمون : قال مطرف : لقد كاد خوف النار يحول بيني وبين أن أسأل الله الجنة .

                                                                                      [ ص: 195 ] وقال ابن عيينة : قال مطرف بن عبد الله : ما يسرني أني كذبت كذبة وأن لي الدنيا وما فيها .

                                                                                      وقال أبو نعيم : حدثنا عمارة بن زاذان قال : رأيت على مطرف بن الشخير مطرف خز أخذه بأربعة آلاف درهم .

                                                                                      وقال
                                                                                      حميد بن هلال : أتت الحرورية مطرف بن عبد الله يدعونه إلى رأيهم ، فقال : يا هؤلاء ، لو كان لي نفسان بايعتكم بإحداهما وأمسكت الأخرى ; فإن كان الذي تقولون هدى أتبعتها الأخرى ، وإن كان ضلالة ، هلكت نفس وبقيت لي نفس ; ولكن هي نفس واحدة لا أغرر بها .

                                                                                      قال قتادة : قال مطرف : لأن أعافى فأشكر أحب إلى من أن أبتلى فأصبر .

                                                                                      قال سليمان بن المغيرة : كان مطرف إذا دخل بيته ، سبحت معه آنية بيته .

                                                                                      وقال سليمان بن حرب : كان مطرف مجاب الدعوة ، قال لرجل : إن كنت كذبت فأرنا به . فمات مكانه .

                                                                                      وقال مهدي بن ميمون عن غيلان بن جرير ، قال : حبس السلطان ابن أخي مطرفا ، فلبس مطرف خلقان ثيابه ، وأخذ عكازا وقال : أستكين لربي; لعله أن يشفعني في ابن أخي .

                                                                                      قال خليفة بن خياط مات مطرف سنة ست وثمانين . وقيل في وفاته غير ذلك كما مضى .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية