الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 214 ] عمران بن حطان ( خ ، د ، ت )

                                                                                      ابن ظبيان ، السدوسي البصري ، من أعيان العلماء ، لكنه من رءوس الخوارج .

                                                                                      حدث عن عائشة ، وأبي موسى الأشعري ، وابن عباس .

                                                                                      روى عنه : ابن سيرين ، وقتادة ، ويحيى بن أبي كثير .

                                                                                      قال أبو داود : ليس في أهل الأهواء أصح حديثا من الخوارج ، ثم ذكر عمران بن حطان ، وأبا حسان الأعرج .

                                                                                      قال الفرزدق : عمران بن حطان من أشعر الناس ; لأنه لو أراد أن يقول مثلنا لقال ، ولسنا نقدر أن نقول مثل قوله .

                                                                                      حدث سلمة بن علقمة ، عن ابن سيرين ، قال : تزوج عمران خارجية وقال : سأردها ، قال فصرفته إلى مذهبها . فذكر المدائني أنها كانت ذات جمال ، وكان دميما فأعجبته يوما فقالت : أنا وأنت في الجنة ، لأنك أعطيت فشكرت ، وابتليت فصبرت .

                                                                                      قال الأصمعي : بلغنا أن عمران بن حطان كان ضيفا لروح بن زنباع ، فذكره لعبد الملك ، فقال : اعرض عليه أن يأتينا . فهرب وكتب : [ ص: 215 ]

                                                                                      يا روح كم من كريم قد نزلت به قد ظن ظنك من لخم وغسان     حتى إذا خفته زايلت منزله
                                                                                      من بعدما قيل : عمرانبن حطان

                                                                                      قد كنت ضيفك حولا ما تروعني     فيه طوارق من إنس ولا جان
                                                                                      حتى أردت بي العظمى فأوحشني     ما يوحش الناس من خوف ابن مروان
                                                                                      لو كنت مستغفرا يوما لطاغية     كنت المقدم في سر وإعلان
                                                                                      لكن أبت لي آيات مفصلة     عقد الولاية في " طه " و " عمران "
                                                                                      ومن شعره في مصرع علي رضي الله عنه :


                                                                                      يا ضربة من تقي ما أراد بها     إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
                                                                                      إني لأذكره حينا فأحسبه     أوفى البرية عند الله ميزانا
                                                                                      أكرم بقوم بطون الطير قبرهم     لم يخلطوا دينهم بغيا وعدوانا

                                                                                      فبلغ شعره عبد الملك بن مروان ، فأدركته حمية لقرابته من علي -رضي الله عنه- [ ص: 216 ] فنذر دمه ووضع عليه العيون ، فلم تحمله أرض ، فاستجار بروح بن زنباع ، فأقام في ضيافته ، فقال : ممن أنت؟ قال : من الأزد . فبقي عنده سنة فأعجبه إعجابا شديدا ، فسمر روح ليلة عند أمير المؤمنين ، فتذاكرا شعر عمران هذا ، فلما انصرف روح ، تحدث مع عمران بما جرى ، فأنشده بقية القصيد ، فلما عاد إلى عبد الملك قال : إن في ضيافتي رجلا ما سمعت منه حديثا قط إلا وحدثني به وبأحسن منه ، ولقد أنشدني تلك القصيدة كلها .

                                                                                      قال : صفه لي ، فوصفه له . قال : إنك لتصف عمران بن حطان ، اعرض عليه أن يلقاني . قال : فهرب إلى الجزيرة ، ثم لحق بعمان فأكرموه .

                                                                                      وعن قتادة ، قال : لقيني عمران بن حطان ، فقال : يا أعمى ، احفظ عني هذه الأبيات :

                                                                                      حتى متى تسقى النفوس بكأسها     ريب المنون وأنت لاه ترتع
                                                                                      أفقد رضيت بأن تعلل بالمنى     إلى المنية كل يوم تدفع
                                                                                      أحلام نوم أو كظل زائل     إن اللبيب بمثلها لا يخدع
                                                                                      فتزودن ليوم فقرك دائبا     واجمع لنفسك لا لغيرك تجمع

                                                                                      وبلغنا أن الثوري كان كثيرا ما يتمثل بأبيات عمران هذه :


                                                                                      أرى أشقياء الناس لا يسأمونها     على أنهم فيها عراة وجوع
                                                                                      أراها وإن كانت تحب فإنها     سحابة صيف عن قليل تقشع
                                                                                      كركب قضوا حاجاتهم وترحلوا     طريقهم بادي العلامة مهيع

                                                                                      قال عبد الباقي بن قانع الحافظ : توفي عمران بنحطان سنة أربع وثمانين .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية