الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 138 ] القائم بأمر الله

                                                                                      الخليفة أبو جعفر عبد الله بن القادر بالله أحمد بن إسحاق بن المقتدر جعفر العباسي البغدادي .

                                                                                      ولد سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة في نصف ذي القعدة وأمه بدر الدجى الأرمنية ، وقيل قطر الندى بقيت إلى أثناء خلافته .

                                                                                      وكان مليحا وسيما أبيض بحمرة ، قوي النفس ، دينا ورعا متصدقا ، له يد في الكتابة والأدب ، وفيه عدل وسماحة .

                                                                                      بويع يوم موت أبيه بعهد له منه في ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة ، وأبوه هو الذي لقبه .

                                                                                      ولم يزل أمره مستقيما إلى أن قبض عليه في سنة خمسين وأربعمائة ; لأن أرسلان التركي البساسيري عظم شأنه لعدم نظير له ، وتهيبته أمراء العرب والعجم ، ودعي له على المنابر ، وظلم وخرب القرى ، وانقهر معه القائم ، ثم تحدث بأنه يريد نهب دار الخلافة ، وعزل القائم . فكاتب القائم طغرلبك ملك الغز يستنهضه ، وكان بالري ، ثم أحرقت دار البساسيري ، [ ص: 139 ] وهرب ، وقدم طغرلبك في سنة 447 ، وذهب البساسيري إلى الرحبة ومعه عسكر ، فكاتب المستنصر فأمده من مصر بالأموال ، ومضى طغرلبك سنة تسع إلى نصيبين ومعه أخوه ينال ، فكاتب البساسيري ينال فأفسده ، وطمع بمنصب أخيه .

                                                                                      فسار بجيش ضخم إلى الري ، فسار أخوه في أثره ، وتفرقت الكلمة ، والتقى الأخوان بهمذان ، وظهر ينال ، واضطرب أمر بغداد ، ووقع النهب ، وفرت زوجة طغرلبك في جيش نحو همذان ، فوصل البساسيري في ذي القعدة إلى الأنبار ، وبطلت الجمعة ، ودخل شاليش عسكره ، ثم دخل هو بغداد في الرايات المصرية ، وضرب سرادقه على دجلة ، ونصرته الشيعة ، وكان قد جمع العيارين والفلاحين ، وأطمعهم في النهب ، وعظم القحط ، واقتتلوا في السفن .

                                                                                      ثم في الجمعة المقبلة دعي لصاحب مصر بجامع المنصور ، وأذنوا : ب " حي على خير العمل " ، وخندق الخليفة حول داره ، ثم نهض البساسيري في أهل الكرخ وغيرهم إلى حرب القائم ، فاقتتلوا يومين ، وكثرت القتلى ، وأحرقت الأسواق ، ودخلوا الدار فانتهبوها ، وتذمم القائم إلى الأمير قريش العقيلي -وكان ممن قام مع البساسيري - فأذمه ، وقبل بين يديه ، فخرج القائم راكبا - بين يديه الراية - ، والأتراك بين يديه ، وأنزل في خيمة ، ثم قبض البساسيري على الوزير أبي القاسم علي بن المسلمة ، والقاضي أبي عبد الله الدامغاني ، وجماعة ، فصلب الوزير فهلك .

                                                                                      [ ص: 140 ] وكان القائم فيه خير واهتمام بالرعية ، وقضاء للحوائج ، قيل : إنه لما بقي معتقلا عند العرب كتب قصة ، وبعث بها إلى بيت الله مستعديا ممن ظلمه ، وهي : إلى الله العظيم من المسكين عبده : اللهم إنك العالم بالسرائر ، المطلع على الضمائر ، اللهم إنك غني بعلمك واطلاعك علي عن إعلامي ، هذا عبدك قد كفر نعمك وما شكرها ، أطغاه حلمك حتى تعدى علينا بغيا ، اللهم قل الناصر واعتز الظالم ، وأنت المطلع الحاكم ، بك نعتز عليه ، وإليك نهرب من يديه ، فقد حاكمناه إليك ، وتوكلنا في إنصافنا منه عليك ، ورفعنا ظلامتنا إلى حرمك ، ووثقنا في كشفها بكرمك ، فاحكم بيننا بالحق ، وأنت خير الحاكمين .

                                                                                      أما ما كان من طغرلبك ، فإنه ظفر بأخيه وقتله ثم كاتب متولي عانة في أن يرد القائم إلى مقر عزه .

                                                                                      وقيل : إن البساسيري عزم على ذلك لما بلغه السلطان طغرلبك ، فحصل القائم في مقر دولته في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة إحدى وخمسين .

                                                                                      ثم جهز طغرلبك عسكرا قاتلوا البساسيري ، فقتل وطيف برأسه . فكانت الخطبة للمستنصر ببغداد سنة كاملة .

                                                                                      [ ص: 141 ] توفي القائم في ثالث عشر شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية