الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 367 ] الشبلي

                                                                                      شيخ الطائفة أبو بكر ، الشبلي البغدادي . قيل : اسمه دلف بن جحدر ، وقيل : جعفر بن يونس . وقيل : جعفر بن دلف .

                                                                                      أصله من الشبلية قرية ، ومولده بسامراء .

                                                                                      وكان أبوه من كبار حجاب الخلافة ، وولي هو حجابة أبي أحمد الموفق ثم لما عزل أبو أحمد من ولاية ، حضر الشبلي مجلس بعض الصالحين ، فتاب ثم صحب الجنيد وغيره ، وصار من شأنه ما صار .

                                                                                      وكان فقيها عارفا بمذهب مالك ، وكتب الحديث عن طائفة ، وقال الشعر ، وله ألفاظ وحكم وحال وتمكن ; لكنه كان يحصل له جفاف دماغ وسكر ، فيقول أشياء يعتذر عنه ، فيها بأو لا تكون قدوة .

                                                                                      [ ص: 368 ] حكى عنه : محمد بن عبد الله الرازي ، ومحمد بن الحسن البغدادي ، ومنصور بن عبد الله الهروي الخالدي ، وأبو القاسم عبد الله بن محمد الدمشقي ، وابن جميع الغساني ، وآخرون .

                                                                                      قيل : إنه مرة قال : آه . فقيل له : من أي شيء ؟ قال : من كل شيء .

                                                                                      وقيل : إن ابن مجاهد قال له : أين في العلم إفساد ما ينفع . قال : قوله : فطفق مسحا بالسوق والأعناق ولكن يا مقرئ أين معك أن المحب لا يعذب حبيبه ؟ فسكت ابن مجاهد ، قال : قوله : نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم ؟

                                                                                      وعنه ، قال : ما قلت : الله ، إلا واستغفرت الله من قولي : الله

                                                                                      قال أحمد بن عطاء الروذباري : سمعت الشبلي ، يقول : كتبت الحديث عشرين سنة ، وجالست الفقهاء عشرين سنة . وكان له يوم الجمعة صيحة ، فصاح يوما ، فتشوش الخلق ، فحرد أبو عمران الأشيب والفقهاء فجاء إليهم الشبلي ، فقالوا يا أبا بكر إذا اشتبه عليها دم الحيض بالاستحاضة ما تصنع ؟ فأجاب بثمانية عشر جوابا ، فقام أبو عمران ، فقبل رأسه .

                                                                                      [ ص: 369 ] وكان -رحمه الله- لهجا بالشعر الغزل والمحبة ، وله ذوق في ذلك ، وله مجاهدات عجيبة انحرف منها مزاجه .

                                                                                      قال السلمي : سمعت محمد بن الحسن ، سمعت الشبلي ، يقول : أعرف من لم يدخل في هذا الشأن حتى أنفق جميع ملكه ، وغرق سبعين قمطرا بخطه ، في دجلة التي ترون ، وحفظ " الموطأ " ، وتلا بكذا وكذا قراءة -يعني : نفسه .

                                                                                      وسئل : ما علامة العارف ؟ قال : صدره مشروح ، وقلبه مجروح ، وجسمه مطروح .

                                                                                      توفي ببغداد سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة عن نيف وثمانين سنة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية