الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 383 ] الباغندي

                                                                                      محمد بن محمد بن سليمان بن الحارث ، الإمام الحافظ الكبير محدث العراق أبو بكر ، ابن المحدث أبي بكر ، الأزدي الواسطي الباغندي ، أحد أئمة هذا الشأن ببغداد .

                                                                                      ولد سنة بضع عشرة ومائتين وكان أول سماعه بواسط في سنة سبع وعشرين ومائتين .

                                                                                      سمع علي بن المديني ، وشيبان بن فروخ ، وأبا بكر بن أبي شيبة ، وهشام بن عمار ، وسويد بن سعيد ، ومحمد بن الصباح الجرجرائي ، والصلت بن مسعود الجحدري ، وأبا نعيم عبيد بن هشام الحلبي ، وعبد الرحمن بن عبيد الله الحلبي ، ومحمد بن سليمان لوينا ، ودحيما ، وأحمد بن أبي الحواري ، وعثمان بن أبي شيبة ، وعبد الملك بن شعيب بن الليث ، والحارث بن مسكين ، ومحمد بن زنبور المكي ، ومحمد بن عبد الله بن نمير ، ومحمود بن خالد الدمشقي ، وخلقا كثيرا .

                                                                                      وجمع ، وصنف ، وعمر ، وتفرد .

                                                                                      [ ص: 384 ] حدث عنه : ابن عقدة ، والقاضي المحاملي ، ومحمد بن مخلد ، ودعلج السجزي ، وأبو بكر الشافعي ، والطبراني ، وأبو علي بن الصواف ، وأبو عمر بن حيويه ، وأبو حفص بن شاهين ، وعلي بن عمر السكري ، ومحمد بن المظفر ، وأبو أحمد الحاكم ، وأبو بكر بن المقرئ ، وأبو بكر أحمد بن عبدان ، وأبو بكر الإسماعيلي ، وأبو الحسين أحمد بن محمد البحيري النيسابوري ، وخلق سواهم .

                                                                                      قال أبو بكر الخطيب رحل في الحديث إلى الأمصار البعيدة ، وعني به العناية العظيمة ، وأخذ عن الحفاظ والأئمة ، وكان حافظا فهما عارفا ، فسمعت أحمد بن علي البادا مذاكرة يقول : سمعت أبا بكر الأبهري يقول : سمعت أبا بكر الباغندي يقول : أنا أجيب في ثلاثمائة ألف مسألة من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم . فأخبرت ابن المظفر بقول الأبهري فقال : صدق ، سمعته منه .

                                                                                      قال الخطيب : وسمعت هبة الله اللالكائي يقول : إن الباغندي كان يسرد الحديث من حفظه ، ويهذه مثل تلاوة القرآن السريع القراءة ، وكان يقول : حدثنا فلان قال : حدثنا فلان ، وحدثنا فلان . وهو يحرك رأسه حتى تسقط عمامته .

                                                                                      أخبرنا عمر بن عبد المنعم ، أخبرنا عبد الصمد بن محمد القاضي حضورا ، أخبرنا أبو الحسن السلمي ، أخبرنا ابن طلاب ، أخبرنا ابن [ ص: 385 ] جميع ، حدثنا أحمد بن محمد بن شجاع بالأهواز ، قال : كنا عند إبراهيم بن موسى الجوزي ببغداد ، وكان عنده أبو بكر الباغندي ينتقي عليه ، فقال له إبراهيم : هو ذا تضجرني ، أنت أكثر حديثا مني ، وأحفظ وأعرف! فقال له : لقد حبب إلي هذا الحديث ، حسبك أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في النوم ، فلم أقل له : ادع لي ، وقلت : يا رسول الله ، أيما أثبت في الحديث : منصور ، أو الأعمش ؟ فقال : منصور ، منصور .

                                                                                      وقال العتيقي سمعت عمر بن شاهين يقول : قام أبو بكر الباغندي ليصلي ، فكبر ، ثم قال : أخبرنا محمد بن سليمان لوين . فسبحنا به فقال : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين .

                                                                                      قال حمزة السهمي : سألنا الوزير جعفر بن الفضل بمصر عن الباغندي فقال : لم أسمع منه ، ولحقته ، وكان للوزير الماضي حجرتان ، إحداهما للباغندي ، يجيئه ويقرأ له ، والأخرى لليزيدي ثم قال جعفر : فسمعت أبي يقول : كنت يوما مع الباغندي في الحجرة يقرأ لي كتب أبي بكر بن أبي شيبة ، فقام إلى الطهارة ، فأخذ جزءا من حديث أبي بكر بن أبي شيبة ، فإذا على ظهره مكتوب : مربع ، والباقي محكوك ، فرجع فرأى في يدي الجزء ، فتغير وجهه فقلت : أيش هذا مربع ؟ فغير ذلك ولم أفطن له لأني أول ما كنت دخلت في كتب الحديث ثم سألت عنه ، [ ص: 386 ] فإذا الكتاب لمحمد بن إبراهيم مربع ، فحكه ، وترك " مربع " فبرد عندي ، ولم أخرج عنه شيئا .

                                                                                      قال عمر بن حسن الأشناني : سمعت محمد بن أحمد بن أبي خيثمة -وذكر عنده أبو بكر الباغندي - فقال : ثقة ، كثير الحديث ، لو كان بالموصل لخرجتم إليه ، ولكنه يتطرح عليكم ولا تريدونه .

                                                                                      قال الدارقطني في كتاب " المصحفين " : حدثني أبي أنه سمع أبا بكر الباغندي أملى عليهم في الجامع في حديث ذكره وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض " هويا " بالياء وضم الهاء .

                                                                                      وقال الدارقطني في " الضعفاء " : الباغندي مدلس مخلط ، يسمع من بعض رفاقه ، ثم يسقط من بينه وبين شيخه ، وربما كانوا اثنين وثلاثة . وهو كثير الخطأ .

                                                                                      قال البرقاني : سألت أبا بكر الإسماعيلي عن ابن الباغندي ، فقال : لا أتهمه في قصد الكذب ، ولكنه خبيث التدليس ، ومصحف أيضا ، كأنه تعلم من سويد التدليس .

                                                                                      وقال حمزة السهمي : سألت أبا بكر بن عبدان عن محمد بن محمد الباغندي : هل يدخل في الصحيح ، فقال : لو خرجت " الصحيح " لم [ ص: 387 ] أدخله فيه ، كان يخلط ويدلس ، وليس ممن كتبت عنه آثر عندي ولا أكثر حديثا منه ، إلا أنه شره ، وهو أحفظ من أبي بكر بن أبي داود . وسألت أبا الحسن الدارقطني عنه ، فقال : كثير التدليس ، يحدث بما لم يسمع ، وربما سرق .

                                                                                      قال الخطيب لم يثبت من أمر الباغندي ما يعاب به سوى التدليس ، ورأيت كافة شيوخنا يحتجون به ، ويخرجونه في الصحيح .

                                                                                      قلت : يقع حديثه عاليا للفخر بن البخاري وطبقته .

                                                                                      قال ابن شاهين : مات في يوم الجمعة ، في عشرين شهر ذي الحجة ، سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة .

                                                                                      أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن عساكر ، أنبأنا أبو روح الهروي ، أخبرنا أبو القاسم المستملي ، أخبرنا أبو سعد الكنجرودي ، أخبرنا أبو الحسين البحيري ، أخبرنا محمد بن محمد بن سليمان ، حدثنا شيبان ، حدثنا حماد ، حدثنا ثابت وسليمان التيمي ، عن أنس : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : أتيت ليلة أسري بي على موسى -عليه السلام- عند الكثيب الأحمر ، وهو قائم يصلي في قبره أخرجه مسلم عن شيبان .

                                                                                      أخبرنا علي بن أحمد في كتابه ، أخبرنا عمر بن محمد ، أخبرنا محمد بن عبد الباقي ، أخبرنا أبو محمد الجوهري ، أخبرنا محمد بن المظفر ، حدثنا أبو بكر الباغندي ، حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا [ ص: 388 ] البراء بن عبد الله الغنوي ، عن عبد الله بن شقيق ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " ألا أنبئكم بشرار هذه الأمة ؟ هم الثرثارون المتفيهقون ألا أنبئكم بخياركم ؟ أحسنكم خلقا " تفرد به البراء . أخرجه البخاري في كتاب " الأدب " له .

                                                                                      وفيها مات الحافظ أحمد بن عمرو الإلبيري الأندلسي ، وأحمد بن محمد بن الأزهر ، والحسن بن علي بن نصر الطوسي ، والوزير أبو الحسن بن الفرات ، وعبدوس بن أحمد بن عباد الهمذاني ، وعلي بن الحسن بن قديد بمصر ، ومحمد بن سليمان بن فارس الدلال ، وأبو بكر محمد بن هارون بن المجدر ، وشيخ الطريق أبو محمد الجريري .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية