الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب الخزيرة قال النضر الخزيرة من النخالة والحريرة من اللبن

                                                                                                                                                                                                        5086 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني محمود بن الربيع الأنصاري أن عتبان بن مالك وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرا من الأنصار أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي لهم فوددت يا رسول الله أنك تأتي فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى فقال سأفعل إن شاء الله قال عتبان فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهار فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فأذنت له فلم يجلس حتى دخل البيت ثم قال لي أين تحب أن أصلي من بيتك فأشرت إلى ناحية من البيت فقام النبي صلى الله عليه وسلم فكبر فصففنا فصلى ركعتين ثم سلم وحبسناه على خزير صنعناه فثاب في البيت رجال من أهل الدار ذوو عدد فاجتمعوا فقال قائل منهم أين مالك بن الدخشن فقال بعضهم ذلك منافق لا يحب الله ورسوله قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تقل ألا تراه قال لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله قال الله ورسوله أعلم قال قلنا فإنا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين فقال فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله قال ابن شهاب ثم سألت الحصين بن محمد الأنصاري أحد بني سالم وكان من سراتهم عن حديث محمود فصدقه [ ص: 454 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 454 ] قوله ( باب الخزيرة ) بخاء معجمة مفتوحة ثم زاي مكسورة وبعد التحتانية الساكنة راء هي ما يتخذ من الدقيق على هيئة العصيدة لكنه أرق منها قاله الطبري ، وقال ابن فارس : دقيق يخلط بشحم ، وقال القتبي وتبعه الجوهري : الخزيرة أن يؤخذ اللحم فيقطع صغارا ويصب عليه ماء كثيرا فإذا نضج ذر عليه الدقيق ، فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة ، وقيل مرق يصفى من بلالة النخالة ثم يطبخ ، وقيل حساء من دقيق ودسم .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( قال النضر ) هو ابن شميل النحوي اللغوي المحدث المشهور .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( الخزيرة ) يعني بالإعجام ( من النخالة ، والحريرة ) يعني بالإهمال ( من اللبن ) وهذا الذي قاله النضر وافقه عليه أبو الهيثم ، لكن قال من الدقيق بدل اللبن وهذا هـو المعروف ، ويحتمل أن يكون معنى اللبن أنها تشبه اللبن في البياض لشدة تصفيتها والله أعلم . ثم ذكر المصنف حديث عتبان بن مالك في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ، وقد تقدم شرحه مستوفى في باب المساجد في البيوت في أوائل كتاب الصلاة ، والغرض منه قوله " وحبسناه على خزير صنعناه " أي منعناه من الرجوع عن منزلنا لأجل خزير صنعناه له ليأكل منه .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( أخبرني محمود بن الربيع الأنصاري أن عتبان بن مالك - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرا من الأنصار أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم ) كذا في الأصول المعتمدة ، ونقل الكرماني أن في بعض النسخ " عن عتبان " وهو أوضح قال : وللأول وجه وهو أن تكون " أن " الثانية توكيدا كقوله تعالى أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون . قلت : فيصير التقدير أن عتبان أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، وما بينهما أشياء اعترضت فيصح كما قال ، لكن يبقى ظاهره أنه من مسند محمود بن الربيع فيكون مرسلا لأنه ذكر قصة ما أدركها ، وهذا بخلاف ما لو قال إن عتبان بن مالك قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يساوي ما لو قال عن عتبان أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد مضى بيان ذلك بأوضح من هذا في الباب المذكور .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( قال ابن شهاب : ثم سألت الحصين ) هو موصول بالإسناد المذكور ، والحصين بمهملتين مصغر ، وقد قدمت في الصلاة أن القابسي رواه بضاد معجمة ولم يوافق على ذلك ، ونقل ابن التين عن الشيخ أبي عمران قال : لم يدخل البخاري في جامعه الحضير يعني بالمهملة ثم الضاد وآخره راء وأدخل الحصين بمهملتين ونون يشير بذلك إلى أن مسلما أخرج لأسيد بن حضير ولم يخرج له البخاري ، وهذا قصور ممن قاله ، فإن أسيد بن حضير وإن لم يخرج له البخاري من روايته موصولا لكنه علق عنه ووقع ذكره عنده في غير موضع فلا يليق نفي إدخاله في كتابه ، على أنه قلما يلتبس من أجل تفريق النون وإنما اللبس الحصين بمهملتين ونون وهم جماعة في الأسماء والكنى والآباء ، والحضين مثله لكن بضاد معجمة ، وهو واحد أخرج له مسلم وهو حضين بن منذر أبو ساسان له صحبة ، وقد نبه على وهم القابسي في ذلك عياض وأضاف إليه الأصيلي فقال : قال القابسي ليس في البخاري [ ص: 455 ] بالضاد المعجمة سوى الحضين بن محمد ، قال عياض : وكذا وجدت الأصيلي قيده في أصله وهو وهم والصواب ما للجماعة بصاد مهملة اهـ . وما نسبه إلى الأصيلي ليس بمحقق ، لأن النقطة فوق الحرف لا يتعين أن تكون من كاتب الأصل بخلاف القابسي فإنه أفصح به حتى قال أبو لبيد الوقشي : كذا قرئ عليه ، قالوا وهو خطأ والله أعلم




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية