الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة يصلي معهم

                                                                      575 حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة أخبرني يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام شاب فلما صلى إذا رجلان لم يصليا في ناحية المسجد فدعا بهما فجئ بهما ترعد فرائصهما فقال ما منعكما أن تصليا معنا قالا قد صلينا في رحالنا فقال لا تفعلوا إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل فليصل معه فإنها له نافلة حدثنا ابن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد عن أبيه قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الصبح بمنى بمعناه

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( فلما صلى ) أي فرغ من صلاته ( ترعد ) بضم أوله وفتح ثالثه ، أي تتحرك كذا قال ابن رسلان ، وقال في المرقاة بالبناء للمجهول ، أي تحرك ، من أرعد الرجل إذا أخذته الرعدة وهي الفزع والاضطراب ( فرائصهما ) جمع فريصة وهي اللحمة التي بين جنب الدابة وكتفها ، أي ترجف من الخوف . قاله في النهاية . وسبب ارتعاد فرائصهما ما اجتمع في رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهيبة العظيمة والحرمة الجسيمة لكل من رآه مع كثرة تواضعه ( قد صلينا في رحالنا ) جمع رحل بفتح الراء وسكون المهملة هو المنزل ويطلق على غيره ولكن المراد هنا المنزل ( فإنها له نافلة ) فيه تصريح بأن الثانية نافلة والفريضة هي الأولى سواء صليت جماعة أو فرادى لإطلاق الخبر .

                                                                      قال الخطابي في المعالم : وفي الحديث من الفقه إن من كان صلى في رحله ثم صادف جماعة يصلون كان عليه أن يصلي معهم أية صلاة كانت من صلوات الخمس ، وهو مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق ، وبه قال الحسن والزهري . وقال قوم : يعيد المغرب والصبح ، وكذلك قال النخعي ، وحكي ذلك عن الأوزاعي ، وكان مالك والثوري يكرهان أن يعيدوا صلاة المغرب ، وكان أبو حنيفة لا يرى أن يعيد صلاة العصر والمغرب والفجر إذا كان قد صلاهن .

                                                                      قلت : وظاهر الحديث حجة على جماعة من منع عن شيء من الصلوات كلها ، ألا [ ص: 214 ] تراه عليه السلام يقول : إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل فليصل معه ولم يستثن صلاة دون صلاة . وقال أبو ثور . لا تعاد العصر والفجر إلا أن يكون في المسجد وتقام الصلاة فلا يخرج حتى يصليها ، وقوله عليه السلام " فإنها له نافلة " يريد الصلاة الآخرة منها والأولى فريضة . وأما نهيه عليه السلام عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس ، فقد تأولوه على وجهين : أحدهما أن ذلك على معنى إنشاء الصلاة ابتداء من غير سبب ، وأما إذا كان لها سبب مثل أن يصادف قوما يصلون جماعة فإنه يعيدها معهم ليحرز الفضيلة . والوجه الآخر أنه منسوخ ، وذلك أن حديث يزيد بن جابر متأخر لأن في قصته أنه شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ثم ذكر الحديث . وفي قوله عليه السلام فإنها نافلة دليل على أن صلاة التطوع جائزة بعد الفجر قبل طلوع الشمس إذا كان لها سبب . وفيه دليل على أن صلاته منفردا مجزية مع القدرة على صلاة الجماعة وإن كان ترك الجماعة مكروها . انتهى . قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي : حديث حسن صحيح .




                                                                      الخدمات العلمية