الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 63 ] كتاب الاعتكاف ، هو لزوم المسجد لطاعة الله - تعالى - ، وهو سنة إلا أن ينذره فيجب ويصح بغير صوم ، وعنه : لا يصح فعلى هذا لا يصح في ليلة مفردة ، ولا في بعض يوم .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          كتاب الاعتكاف ( هو ) لغة لزوم الشيء ، وحبس النفس عليه خيرا كان أو شرا ، ومنه قوله - تعالى - يعكفون على أصنام لهم [ الأعراف : 138 ] يقال عكف يعكف بضم الكاف وكسرها ، وقرئ بهما .

                                                                                                                          وشرعا ( لزوم المسجد لطاعة الله - تعالى - ) على صفة مخصوصة من مسلم عاقل ، ولو مميزا طاهر مما يوجب غسلا ، ولو ساعة فلا يصح من كافر ، ومجنون ، وطفل كالصلاة بغير خلاف نعلمه ، ولا يبطل بالإغماء جزم به في " الرعاية " ولا شك أنه قربة ، وطاعة لقوله - تعالى - طهرا بيتي للطائفين والعاكفين [ البقرة : 126 ] ولما روى ابن عباس مرفوعا قال : في المعتكف ، وهو يعكف الذنوب ، ويجرى له من الحسنات كعامل الحسنات كلها " . رواه ابن ماجه ، وفيه فرقد السبخي قال أبو داود : سألت أحمد تعرف في فضل الاعتكاف شيئا ؛ قال : لا إلا أن شيئا ضعيفا .

                                                                                                                          ( وهو سنة ) كل وقت إجماعا لمداومته - عليه السلام - فعله ، وإنما لم يجب ; لأنه لم يأمر به أصحابه ، بل في " الصحيحين " : من أحب أن يعتكف فليعتكف ، وآكده في رمضان ، والعشر الأخيرة آكد لطلب ليلة القدر ( إلا أن ينذره فيجب ) الوفاء به إجماعا لقوله - عليه السلام - : من نذر أن يطيع الله فليطعه . رواه البخاري ، ولمسلم من حديث ابن عمر أن عمر سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إني [ ص: 64 ] نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ، قال : فأوف بنذرك ، وللبخاري : فاعتكف ليلة . وظاهر الأمر للوجوب .

                                                                                                                          فإن علقه بشرط ، فله شرط نحو : لله علي أن أعتكف شهر رمضان إن كنت مقيما أو معافى فصادفه مريضا أو مسافرا ، فلا شيء عليه ، وهل يلزم بالشروع أو بالنية ؛ وقاله مالك مع الدخول فيه ، فإن قطعه فعليه قضاؤه . وقال ابن عبد البر : لا يختلف في ذلك الفقهاء ، ورده في " المغني " و " الشرح " بأنه لا يعرف هذا القول عن أحد سواه ، ولم يقع الإجماع على لزوم نافلة بالشروع فيها سوى الحج والعمرة ، ولا يصح إلا بالنية ، ويجب تعيين المندوب بالنية ليتميز ، فإن نوى الخروج منه فقيل يبطل ; لأنه يخرج منه بالفساد ، وقيل : لا لتعلقه بمكان كالحج .

                                                                                                                          ( ويصح بغير صوم ) في ظاهر المذهب ، لحديث عمر ، ولأنه عبادة تصح في الليل فلم يشترط له الصوم كالصلاة .

                                                                                                                          فعلى هذا ، فله ما يسمى به معتكفا لابثا فظاهره ولو لحظة ، وجزم جماعة بأن أقله ساعة ، ولا يكفي عبوره ، ويصح الاعتكاف في أيام النهي التي لا يصح صومها ، ولو صام ، ثم أفطر عمدا ، لم يبطل اعتكافه ، ( وعنه : لا يصح ) بغير صوم في قول ابن عمر ، وابن عباس لحديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا اعتكاف إلا بصوم ، ولأنه لبث في مسجد فلم يكن بمجرده قربة كالوقوف بعرفة .

                                                                                                                          وأجيب عنه بأنه موقوف عليها ، ومن رفعه فقد وهم ، ثم لو صح فيحمل على نفي الكمال جمعا بين الأدلة ، ولأن إيجاب الصوم حكم لا يثبت إلا بالشرع ، ولم يصح فيه نص ، ولا إجماع ، وقياسهم يرد عليهم بأنه لبث في مكان مخصوص ، [ ص: 65 ] فلم يشترط له الصوم كالوقوف ( فعلى هذا لا يصح في ليلة مفردة ، ولا في بعض يوم ) لعدم وجود الصوم المشترط . وظاهره لا فرق بين أن يصوم اليوم الذي اعتكف بعضه أم لا ، وقطع المجد وغيره بصحته لوجود اللبث بشرطه ، وأطلق في " منتهى الغاية " و " الفروع " الخلاف ، والمذهب البطلان نظرا إلى أن الصوم لم يقصد له ، ولا يصح في أيام النهي التي لا يصح صومها ، واعتكافها نذرا أو نفلا كصومها نذرا أو نفلا فإذا كان الاعتكاف متتابعا ، فأتى في أثنائه يوم عيد فإن قلنا بجواز اعتكافه فالأولى أن يثبت مكانه ، ويجوز خروجه إلى العيد ، ولا يفسد اعتكافه ، وإن قلنا لا يجوز خرج إلى المصلى إن شاء ، وإلى أهله ، وعليه حرمة العكوف ، ثم يعود قبل غروب الشمس في يومه لتمام أيامه قاله المجد .

                                                                                                                          تنبيه : لا يشترط أن يصوم للاعتكاف ما لم ينذر له الصوم لظاهر الآية ، والخبر ، وكما يصح أن يعتكف في رمضان تطوعا أو ينذر عنه به ، وإذا قال : لله علي أن أعتكف صائما أو بصوم لزماه معا ، فلو فرقهما أو اعتكف ، وصام فرض رمضان ، ونحوه لم يجزئه ; لأن الصوم صفة مقصودة فيه كالتتابع ، وقيل : يلزمه الجميع لا الجمع فله فعل كل منهما منفردا ، وإن نذر أن يصوم معتكفا فالخلاف كما لو نذر أن يعتكف مصليا ، ولا يلزمه أن يصلي جميع الزمان ، وإن نذر أن يصلي صلاة ، ويقرأ فيها سورة بعينها لزمه الجمع ، فلو قرأها خارج الصلاة لم يجزئه ذكره في " الانتصار " .




                                                                                                                          الخدمات العلمية