الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 13 ] القسم الثاني الأفعال وعادتهم يقدمون عليها الكلام على العصمة ; لأجل أنه ينبني عليها وجوب التأسي بأفعاله . [ عصمة الأنبياء ] والكلام قبل النبوة وبعدها أما قبل النبوة ، فقال المازري : لا تشترط العصمة ، ولكن لم يرد في السمع وقوعها . وقال القاضي عياض : الصواب عصمتهم قبل النبوة من الجهل بالله وصفاته ، والتشكيك في شيء من ذلك ، وقد تعاضدت الأخبار عن الأنبياء بتبرئتهم عن هذه النقيصة منذ ولدوا ، ونشأتهم على التوحيد والإيمان . ونقل ابن الحاجب عن الأكثرين عدم امتناعها عقلا ، وأن الروافض ذهبوا إلى امتناعها ، ونقله غيره عن المعتزلة ; لأن ذلك يوجب هضمه واحتقاره ، وهو خلاف الحكمة ، والأصح قول الأكثرين ، ومنهم القاضي ; لأن السمع لا دلالة له على العصمة قبل البعثة ، وأما دلالة العقل فمبنية على فاسد أصلهم في التحسين والتقبيح العقلي ووجوب رعاية الأصلح والمصلحة . [ ص: 14 ]

                                                      وأما بعد النبوة والإرسال بالمعجزة ، فقد دلت المعجزة دلالة قطعية على صدقه ، وهل دلالتها عقلية أو عادية ؟ خلاف سبق في أول الكتاب . فكل أمر ينافي دلالتها فهو على الأنبياء محال عقلا . والكلام في العصمة يرجع إلى أمور . أحدها : في الاعتقاد ولا خلاف بين الأمة في وجوب عصمتهم عما يناقض مدلول المعجزة ، وهو الجهل بالله تعالى والكفر به . وثانيها : أمر التبليغ ، وقد اتفقوا على استحالة الكذب والخطأ فيه . وثالثها : في الأحكام والفتوى ، والإجماع على عصمتهم فيها ولو في حال الغضب ، بل يستدل بشدة غضبه صلى الله عليه وسلم على تحريم ذلك الشيء . ورابعها : في أفعالهم وسيرهم ، فأما الكبائر فحكى القاضي إجماع المسلمين أيضا على عصمتهم فيها ، ويلحق بها ما يزري بمناصبهم كرذائل الأخلاق ، والدناءات ، وإنما اختلفوا في الطريق ، هل هو الشرع أو العقل ؟ فقالت المعتزلة وبعض أئمتنا : يستحيل وقوعها منهم عقلا ; لأنها منفرة عن الاتباع ، ونقله إمام الحرمين في البرهان عن طبقات الخلق . قال : وإليه مصير جماهير أئمتنا . وقال ابن فورك : إن ذلك ممتنع من مقتضى المعجزة . وقال القاضي عياض : إنها ممتنعة سمعا ، والإجماع دل عليه . ولو رددنا إلى العقل فليس فيه ما يحيلها واختاره إمام الحرمين ، والغزالي وإلكيا ، وابن برهان . وقال ابن القشيري : إنه المستقيم على أصولنا . وقال المقترح : إنه الصواب ; لأنه ليس في العقل ما يحيله ، وجعل الهندي الخلاف فيما إذا لم يسنده إلى المعجزة في التحدي ، فإن أسنده إليها كان امتناعه عقلا .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية