الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 376 ] 130

ثم دخلت سنة ثلاثين ومائة

ذكر دخول أبي مسلم مرو والبيعة بها

وفي هذه السنة دخل أبو مسلم مدينة مرو في ربيع الآخر ، وقيل في جمادى الأولى .

وكان السبب في ذلك اتفاق ابن الكرماني معه . إن ابن الكرماني ومن معه وسائر القبائل بخراسان لما عاقدوا نصرا على أبي مسلم عظم عليه وجمع أصحابه لحربهم ، فكان سليمان بن كثير بإزاء ابن الكرماني ، فقال له سليمان : إن أبا مسلم يقول لك : أما تأنف من مصالحة نصر وقد قتل بالأمس أباك وصلبه ؟ وما كنت أحسبك تجامع نصرا في مسجد تصليان فيه ! فأحفظه هذا الكلام ، فرجع عن رأيه وانتقض صلح العرب .

فلما انتقض صلحهم بعث نصر إلى أبي مسلم يلتمس منه أن يدخل مع مضر ، وبعث أصحاب ابن الكرماني ، وهم ربيعة واليمن ، إلى أبي مسلم بمثل ذلك ، فراسلوه بذلك أياما ، فأمرهم أبو مسلم أن يقدم عليه وفد الفريقين حتى يختار أحدهما ، ففعلوا ، وأمر أبو مسلم الشيعة أن تختار ربيعة واليمن ، فإن الشيطان في مضر ، وهم أصحاب مروان وعماله وقتلة يحيى بن زيد .

فقدم الوفدان ، فجلس أبو مسلم وأجلسهم وجمع عنده من الشيعة سبعين رجلا فقال لهم ليختاروا أحد الفريقين . فقام سليمان بن كثير من الشيعة ، فتكلم وكان خطيبا مفوها ، فاختار ابن الكرماني وأصحابه ، ثم قام أبو منصور طلحة بن زريق النقيب فاختارهم أيضا ، ثم قام مرثد بن شقيق السلمي فقال : إن مضر قتلة آل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأعوان بني أمية ، وشيعة مروان الجعدي وعماله ، ودماؤنا في أعناقهم وأموالنا في أيديهم ، ونصر بن سيار عامل مروان ينفذ أموره ويدعو له على منبره ويسميه أمير المؤمنين ، ونحن نبرأ إلى الله - عز وجل - من أن يكون نصر على هدى ، وقد اخترنا علي بن [ ص: 377 ] الكرماني وأصحابه . فقال السبعون : القول ما قال مرثد بن شقيق . فنهض وفد نصر عليهم الكآبة والذلة ، ورجع وفد ابن الكرماني منصورين . ورجع أبو مسلم من الين إلى الماخوان وأمر الشيعة أن يبنوا المساكن فقد أغناهم الله من اجتماع كلمة العرب عليهم .

ثم أرسل إلى [ أبي مسلم ] علي بن الكرماني ليدخل مدينة مرو من ناحيته ، وليدخل هو وعشيرته من الناحية الأخرى ، فأرسل إليه أبو مسلم : إني لست آمن أن تجتمع يدك ويد نصر على محاربتي ، ولكن ادخل أنت فأنشب الحرب مع أصحاب نصر .

فدخل ابن الكرماني فأنشب الحرب ، وبعث أبو مسلم شبل بن طهمان النقيب في خيل فدخلوها ، ونزل شبل بقصر بخاراخذاه ، وبعث إلى أبي مسلم ليدخل إليهم ، فسار من الماخوان وعلى مقدمته أسيد بن عبد الله الخزاعي ، وعلى ميمنته مالك بن الهيثم الخزاعي ، وعلى ميسرته القاسم بن مجاشع التميمي . فدخل مرو والفريقان يقتتلان ، فأمرهما بالكف وهو يتلو من كتاب الله - عز وجل : ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه الآية .

ومضى أبو مسلم إلى قصر الإمارة ، وأرسل إلى الفريقين أن كفوا ولينصرف كل فريق إلى عسكره ، ففعلوا وصفت مرو لأبي مسلم ، فأمر بأخذ البيعة من الجند ، وكان الذي يأخذها أبو منصور طلحة بن رزيق ، وكان أحد النقباء عالما بحجج الهاشمية ومعايب الأموية . وكان النقباء اثني عشر رجلا ، اختارهم محمد بن علي من السبعين الذين كانوا استجابوا له حين بعث رسوله إلى خراسان سنة ثلاث ومائة أو أربع ومائة ، ووصف له من العدل صفة ، وكان منهم من خزاعة : سليمان بن كثير ، ومالك بن الهيثم ، وزياد بن صالح ، وطلحة بن رزيق ، وعمرو بن أعين ، ومن طيئ : قحطبة بن شبيب بن خالد بن معدان ، ومن تميم : موسى بن كعب أبو عيينة ، ولاهز بن قريظ ، والقاسم بن مجاشع ، وأسلم بن سلام ، ومن بكر بن وائل : أبو داود بن إبراهيم الشيباني ، وأبو علي الهروي ، ويقال شبل بن طهمان مكان عمرو بن أعين ، وعيسى بن كعب ، وأبو النجم إسماعيل بن عمران مكان أبي علي الهروي ، وهو ختن أبي مسلم ، ولم يكن في النقباء أحد والده حي غير أبي منصور طلحة بن رزيق بن سعد ، وهو أبو زينب الخزاعي ، وكان قد شهد حرب ابن الأشعث ، وصحب المهلب وغزا معه ، وكان أبو مسلم يشاوره في الأمور ويسأله عنها وعما شهد من الحروب .

[ ص: 378 ] وكانت البيعة : أبايعكم [ على ] كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والطاعة للرضا من أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليكم بذلك عهد الله وميثاقه ، والطلاق والعتاق والمشي إلى بيت الله الحرام ، وعلى أن لا تسألوا رزقا ولا طعما حتى يبتدئكم به ولاتكم .

( رزيق بتقديم الراء على الزاي ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية