الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحد إلا بإذنه

                                                                                                                                                                                                        4899 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته إلا بإذنه وما أنفقت من نفقة عن غير أمره فإنه يؤدى إليه شطره ورواه أبو الزناد أيضا عن موسى عن أبيه عن أبي هريرة في الصوم

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله ( باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحد إلا بإذنه ) المراد ببيت زوجها سكنه سواء كان ملكه أو لا .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( عن الأعرج ) كذا يقول شعيب عن أبي الزناد ، وقال ابن عيينة عن أبي الزناد " عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة " وقد بينه المصنف بعد .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها ) يلتحق به السيد بالنسبة لأمته التي يحل له وطؤها ، ووقع في رواية [ ص: 207 ] همام " وبعلها " وهي أفيد لأن ابن حزم نقل عن أهل اللغة أن البعل اسم للزوج والسيد ، فإن ثبت وإلا ألحق السيد بالزوج للاشتراك في المعنى .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( شاهد ) أي حاضر .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( إلا بإذنه ) يعني في غير صيام أيام رمضان ، وكذا في غير رمضان من الواجب إذا تضيق الوقت ، وقد خصه المصنف في الترجمة الماضية قبل باب بالتطوع ، وكأنه تلقاه من رواية الحسن بن علي عن عبد الرزاق فإن فيها " لا تصوم المرأة غير رمضان " وأخرج الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعا في أثناء حديث " ومن حق الزوج على زوجته أن لا تصوم تطوعا إلا بإذنه ، فإن فعلت لم يقبل منها " وقد قدمت اختلاف الروايات في لفظ " ولا تصوم " ، ودلت رواية الباب على تحريم الصوم المذكور عليها وهو قول الجمهور ، قال النووي في " شرح المهذب " : وقال بعض أصحابنا يكره ، والصحيح الأول ، قال : فلو صامت بغير إذنه صح وأثمت لاختلاف الجهة وأمر قبوله إلى الله ، قاله العمراني . قال النووي : ومقتضى المذهب عدم الثواب ، ويؤكد التحريم ثبوت الخبر بلفظ النهي ، ووروده بلفظ الخبر لا يمنع ذلك ، بل هو أبلغ ، لأنه يدل على تأكد الأمر فيه فيكون تأكده بحمله على التحريم .

                                                                                                                                                                                                        قال النووي في " شرح مسلم " : وسبب هذا التحريم أن للزوج حق الاستمتاع بها في كل وقت ، وحقه واجب على الفور فلا يفوته بالتطوع ولا بواجب على التراخي ، وإنما لم يجز لها الصوم بغير إذنه وإذا أراد الاستمتاع بها جاز ويفسد صومها لأن العادة أن المسلم يهاب انتهاك الصوم بالإفساد ، ولا شك أن الأولى له خلاف ذلك إن لم يثبت دليل كراهته ، نعم لو كان مسافرا فمفهوم الحديث في تقييده بالشاهد يقتضي جواز التطوع لها إذا كان زوجها مسافرا ، فلو صامت وقدم في أثناء الصيام فله إفساد صومها ذلك من غير كراهة ، وفي معنى الغيبة أن يكون مريضا بحيث لا يستطيع الجماع ، وحمل المهلب النهي المذكور على التنزيه فقال : هو من حسن المعاشرة ، ولها أن تفعل من غير الفرائض بغير إذنه ما لا يضره ولا يمنعه من واجباته ، وليس له أن يبطل شيئا من طاعة الله إذا دخلت فيه بغير إذنه اهـ ، وهو خلاف الظاهر . وفي الحديث أن حق الزوج آكد على المرأة من التطوع بالخير ، لأن حقه واجب والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( ولا تأذن في بيته ) زاد مسلم من طريق همام عن أبي هريرة " وهو شاهد إلا بإذنه " وهذا القيد لا مفهوم له بل خرج مخرج الغالب ، وإلا فغيبة الزوج لا تقتضي الإباحة للمرأة أن تأذن لمن يدخل بيته ، بل يتأكد حينئذ عليها المنع لثبوت الأحاديث الواردة في النهي عن الدخول على المغيبات أي من غاب عنها زوجها ، ويحتمل أن يكون له مفهوم ، وذلك أنه إذا حضر تيسر استئذانه وإذا غاب تعذر فلو دعت الضرورة إلى الدخول عليها لم تفتقر إلى استئذانه لتعذره . ثم هذا كله فيما يتعلق بالدخول عليها ، أما مطلق دخول البيت بأن تأذن لشخص في دخول موضع من حقوق الدار التي هي فيها أو إلى دار منفردة عن سكنها فالذي يظهر أنه ملتحق بالأول ، وقال النووي : في هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يفتات على الزوج بالإذن في بيته إلا بإذنه ، وهو محمول على ما لا تعلم رضا الزوج به ، أما لو علمت رضا الزوج بذلك فلا حرج عليها ، كمن جرت عادته بإدخال الضيفان موضعا معدا لهم سواء كان حاضرا أم غائبا فلا يفتقر إدخالهم إلى إذن خاص لذلك ، وحاصله أنه لا بد من اعتبار إذنه تفصيلا أو إجمالا .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( إلا بإذنه ) أي الصريح ، وهل يقوم ما يقترن به علامة رضاه مقام التصريح بالرضا ؟ فيه نظر .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 208 ] قوله ( وما أنفقت من نفقة عن غير أمره فإنه يؤدى إليه شطره ) أي نصفه ، والمراد نصف الأجر كما جاء واضحا في رواية همام عن أبي هريرة في البيوع ، ويأتي في النفقات بلفظ " إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها عن غير أمره فله نصف أجره " في رواية أبي داود " فلها نصف أجره " وأغرب الخطابي فحمل قوله " يؤدى إليه شطره " على المال المنفق ، وأنه يلزم المرأة إذا أنفقت بغير أمر زوجها زيادة على الواجب لها أن تغرم القدر الزائد ، وأن هذا هـو المراد بالشطر في الخبر لأن الشطر يطلق على النصف وعلى الجزء ، قال : ونفقتها معاوضة فتقدر بما يوازيها من الفرض وترد الفضل عن مقدار الواجب ، وإنما جاز لها في قدر الواجب لقصة هند " خذي من ماله بالمعروف " اهـ . وما ذكرناه من الرواية الأخرى يرد عليه . وقد استشعر الإيراد فحمل الحديث الآخر على معنى آخر وجعلهما حديثين مختلفي الدلالة ، والحق أنهما حديث واحد رويا بألفاظ مختلفة . وأما تقييده بقوله " عن غير أمره " فقال النووي : عن غير أمره الصريح في ذلك القدر المعين ، ولا ينفي ذلك وجود إذن سابق عام يتناول هذا القدر وغيره إما بالصريح وإما بالعرف . قال : ويتعين هذا التأويل لجعل الأجر بينهما نصفين ، ومعلوم أنها إذا أنفقت من ماله بغير إذنه لا الصريح ولا المأخوذ من العرف لا يكون لها أجر بل عليها وزر ، فيتعين تأويله . قال : واعلم أن هذا كله مفروض في قدر يسير يعلم رضا المالك به عرفا ، فإن زاد على ذلك لم يجز . ويؤيده قوله - يعني كما مر في حديث عائشة في كتاب الزكاة والبيوع - " إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة " فأشار إلى أنه قدر يعلم رضا الزوج به في العادة ، قال : ونبه بالطعام أيضا على ذلك لأنه مما يسمح به عادة ، بخلاف النقدين في حق كثير من الناس وكثير من الأحوال . قلت : وقد تقدمت في شرح حديث عائشة في الزكاة مباحث لطيفة وأجوبة في هذا ، ويحتمل أن يكون المراد بالتنصيف في حديث الباب الحمل على المال الذي يعطيه الرجل في نفقة المرأة ، فإذا أنفقت منه بغير علمه كان الأجر بينهما : للرجل لكونه الأصل في اكتسابه ولكونه يؤجر على ما ينفقه على أهله كما ثبت من حديث سعد بن أبي وقاص وغيره ، وللمرأة لكونه من النفقة التي تختص بها . ويؤيد هذا الحمل ما أخرجه أبو داود عقب حديث أبي هريرة هذا قال في المرأة تصدق من بيت زوجها ؟ قال : لا إلا من قوتها والأجر بينهما ، ولا يحل لها أن تصدق من مال زوجها إلا بإذنه . قال أبو داود في رواية أبي الحسن بن العبد عقبه : هذا يضعف حديث همام اهـ ، ومراده أنه يضعف حمله على التعميم ، أما الجمع بينهما بما دل عليه هذا الثاني فلا ، وأما ما أخرجه أبو داود وابن خزيمة من حديث سعد قال " قالت امرأة يا نبي الله إنا كل على آبائنا وأزواجنا وأبنائنا ، فما يحل لنا من أموالهم ؟ قال : الرطب تأكلنه وتهدينه " . وأخرج الترمذي وابن ماجه عن أبي أمامة رفعه " لا تنفق امرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذنه ، قيل : ولا الطعام ؟ قال : ذاك أفضل أموالنا " وظاهرهما التعارض ، ويمكن الجمع بأن المراد بالرطب ما يتسارع إليه الفساد فأذن فيه ، بخلاف غيره ولو كان طعاما والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( ورواه أبو الزناد أيضا عن موسى عن أبيه عن أبي هريرة في الصوم ) يشير إلى أن رواية شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج اشتملت على ثلاثة أحكام ، وأن لأبي الزناد في أحد الثلاثة وهو صيام المرأة إسنادا آخر ، وموسى المذكور هو ابن أبي عثمان ، وأبوه أبو عثمان يقال له التبان بمثناة ثم موحدة ثقيلة واسمه سعد ويقال عمران ، وهو مولى المغيرة بن شعبة ، ليس له في البخاري سوى هذا الموضع ، وقد وصل حديثه المذكور أحمد والنسائي والدارمي والحاكم من طريق الثوري عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان بقصة الصوم فقط ، والدارمي أيضا وابن خزيمة وأبو عوانة وابن حبان من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج به ، قال أبو عوانة في رواية علي [ ص: 209 ] بن المديني : حدثنا به سفيان بعد ذلك عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان ، فراجعته فيه فثبت على موسى ورجع عن الأعرج . ورويناه عاليا في " جزء إسماعيل بن نجيد " من رواية المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد . وفي الحديث حجة على المالكية في تجويز دخول الأب ونحوه بيت المرأة بغير إذن زوجها ، وأجابوا عن الحديث بأنه معارض بصلة الرحم ، وإن بين الحديثين عموما وخصوصا وجهيا فيحتاج إلى مرجح ، ويمكن أن يقال : صلة الرحم إنما تندب بما يملكه الواصل ، والتصرف في بيت الزوج لا تملكه المرأة إلا بإذن الزوج ، فكما لأهلها أن لا تصلهم بماله إلا بإذنه فإذنها لهم في دخول البيت كذلك .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية