الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وعنه : كل أمر غلب عليه الصائم ، فليس عليه قضاء ولا كفارة ، وهذا يدل على إسقاط القضاء والكفارة مع الإكراه والنسيان . وإن جامع دون الفرج فأنزل أو وطئ بهيمة في الفرج ، أفطر وفي الكفارة وجهان وإن جامع في يوم رأى الهلال في ليلته ، وردت شهادته ، فعليه القضاء والكفارة ، وإن جامع في يومين ولم يكفر ، فهل تلزمه كفارة ، أو كفارتان ؛ على وجهين ، وإن جامع ، ثم كفر ، ثم جامع فعليه كفارة ثانية ، نص عليه وكذلك كل من لزمه الإمساك إذا جامع . ولو جامع وهو صحيح ، ثم مرض أو جن ، أو سافر ، لم تسقط عنه وإن نوى الصوم في سفره ، ثم جامع لا كفارة عليه ، وعنه : عليه الكفارة . ولا تجب الكفارة بغير الجماع في صيام رمضان .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وعنه : كل أمر غلب عليه الصائم ) كما لو غصبها نفسها ، فجامعها ، أو انتشر ذكره وهو نائم ، فاستدخلته ( فليس عليه قضاء ولا كفارة ) نقلها ابن القاسم عنه; لأنه لم يوجد منه فعل ، فلم يجبا ، كما لو صب في حلقه ماء أو طار إلى حلقه ذباب ، ( و ) قال المؤلف والأصحاب ( هذا يدل على إسقاط القضاء والكفارة مع الإكراه والنسيان ) قال ابن عقيل في مفرداته : الصحيح في الأكل والوطء إذا غلب عليهما ، لا يفسدان فأنا أخرج من الوطء رواية من الأكل ، وعكسه ، وقيل : يقضي من فعل ، لا من فعل به من نائم وغيره ، وقيل : لا قضاء مع النوم فقط لعدم حصول مقصوده .

                                                                                                                          ( وإن جامع دون الفرج ) كمن وطئ امرأته في فخذها أو صرتها عامدا ، وقيل : أو ناسيا ، اختاره الأكثر ( فأنزل ) وفي " الفروع " : فأمنى - وهي أولى - ، فسد صومه ; لأنه إذا فسد باللمس مع الإنزال ، ففي المجامعة بطريق الأولى . وظاهره أنه إذا لم ينزل لا يفسد كاللمس .

                                                                                                                          ( أو وطئ بهيمة في الفرج أفطر ) ; لأنه وطئ في فرج ، أشبه وطء الآدمية في فرجها ، ولم يقيده بالإنزال لإقامة المظنة مقام الحقيقة ، ( وفي الكفارة وجهان ) ذكرهما أبو الخطاب في وطء البهيمة بناء على الحد ، وقال ابن شهاب : لا يجب بمجرد الإيلاج فيه غسل ولا فطر ولا كفارة .

                                                                                                                          أحدهما : يجب ، اختاره الخرقي وأبو بكر ، والأكثر كالوطء في الفرج ، والفرق واضح والناسي كالعامد صرح به جماعة ، وفي " المغني " و " الشرح " و " الروضة " عامدا . وظاهره : لا فرق بين الميتة والحية في الأشهر .

                                                                                                                          [ ص: 34 ] والثاني : لا كفارة عليه اختاره صاحب " النصيحة " و " المغني " و " الشرح " و " الفروع " ; لأنه فطر بغير جماع تام أشبه القبلة .

                                                                                                                          ( وإن جامع في يوم رأى الهلال في ليلته ، وردت شهادته فعليه القضاء والكفارة ) ; لأنه أفطر يوما من رمضان بجماع ، فلزمته ، كما لو قبلت شهادته ، ( وإن جامع في يومين ولم يكفر فهل تلزمه كفارة ، أو كفارتان ؛ على وجهين ) أحدهما : تجزئه واحدة ، وهو ظاهر " الخرقي " ، واختاره أبو بكر وابن أبي موسى كما لو كانا في يوم واحد كالحدود ، والثاني : تعدد الكفارة بتعدد الأيام ، اختاره الأكثر ، وهو المذهب ، وحكاه ابن عبد البر عن أحمد ;لأن كل يوم عبادة ، وكيومين من رمضانين وكالحجتين . وظاهره أنه إذا كفر عن الأول ، كفر عن الثاني ، وذكره ابن عبد البر إجماعا . قال المجد : فعلى قولنا بالتداخل ، لو كفر بالعتق في اليوم الأول عنه ، ثم في اليوم الثاني عنه ، ثم استحقت الرقبة الأولى ، لم يلزمه بدلها ، وأجزأته الثانية عنهما ، ولو استحقت الثانية وحدها لزمه بدلها ، ولو استحقتا جميعا أجزأه بدلها رقبة واحدة لأن محل التداخل وجود السبب الثاني قبل أداء موجب الأول ، ونية التعيين لا تعتبر فتلغو وتصير كنية مطلقة هذا قياس مذهبنا .

                                                                                                                          ( وإن جامع ثم كفر ، ثم جامع ) في يومه ( فعليه كفارة ثانية ، نص عليه ) في رواية حنبل ، والميموني ; لأنه وطء محرم ، وقد تكرر ، فتكرر هي كالحج ، بخلاف الوطء ليلا فإنه مباح ، لا يقال : الوطء هتك الصوم ، وهو مؤثر في الإيجاب فلا يصح القياس ; لأنه ملغى بمن طلع عليه الفجر ، وهو مجامع فاستدام فإنها تلزمه مع عدم الهتك له ، وذكر الحلواني رواية : لا كفارة [ ص: 35 ] وخرجه ابن عقيل من أن الشهر عبادة واحدة . وعلم منه أنه إذا لم يكفر عن الأول فإنه تكفيه واحدة بغير خلاف قاله في " المغني " و " الشرح " وفي " الفروع " على الأصح ، فعلى الأول تعدد الواجب ، وتداخل موجبه . ذكره صاحب " الفصول " وغيره ، وعلى الثاني : لم يجب بغير الوطء الأول شيء .

                                                                                                                          ( وكذلك كل من لزمه الإمساك إذا جامع ) أي : كذا حكم كل مفطر يلزمه الإمساك كمن لم يعلم برؤية الهلال إلا بعد طلوع الفجر أو نسي النية ، أو أكل عامدا ، ثم جامع ، فتجب عليه الكفارة ;لهتكه حرمة الزمن به ، ولأنها تجب على المستديم للوطء ، ولا صوم هناك ، فكذا هنا ، فمراده بالتشبيه وجوب الكفارة لا التكرار ، لكن نص أحمد في مسافر قدم مفطرا ، ثم جامع لا كفارة عليه ، وحمله القاضي وأبو الخطاب على رواية : لا يلزمه الإمساك ، وحمله المجد على ظاهره ، وهو وجه لضعف هذا الإمساك ; لأنه سنة عند أكثر العلماء ، وفي تعليق القاضي وجه فيمن ترك النية وجامع : لا كفارة عليه ، وإن أكل ناسيا ، واعتقد الفطر به ثم جامع فكالناسي ، والمخطئ إلا أن يعتقد وجوب الإمساك فيكفر في الأشهر .

                                                                                                                          ( ولو جامع وهو صحيح ، ثم مرض ، أو جن ، أو سافر ، لم تسقط عنه ) نص عليه فيما إذا مرض لأمره - عليه السلام - الأعرابي بالكفارة . ولم يسأله ، ولأنه أفسد صوما واجبا من رمضان بجماع تام ، فاستقرت عليه الكفارة كما لو لم يطرأ العذر .

                                                                                                                          لا يقال : تبينا أن الصوم غير مستحق عند الجماع لأن الصادق لو أخبره أنه سيمرض أو يموت لم يجز الفطر ، والصوم لا تتحرى صحته ، بل لزومه كصائم [ ص: 36 ] صح أو أقام ، وحكم المرأة كذلك إذا حاضت أو نفست ، وفي " الانتصار " وجه يسقط بهما لمنعهما الصحة ، ومثلهما موت ، وكذا جنون إن منع طريانه الصحة ، ( وإن نوى الصوم في سفره ) فله الفطر بما شاء لفطره - عليه السلام - في الأخبار الصحيحة ، ولأن من له الأكل له الجماع كمن لم ينو ( ثم جامع لا كفارة عليه ) اختاره القاضي ، وأكثر أصحابه ، والمؤلف ; لأنه صوم لا يلزم المضي فيه ، فلم يجب كالتطوع لكن ذكر المؤلف وغيره أنه يفطر بنيته الفطر ، فيقع الجماع بعده ، ( وعنه : عليه الكفارة ) جزم بها بعضهم ; لأنه أفطر بجماع ، فلزمته كالحاضر ، وعنه : لا يجوز له الفطر بالجماع ; لأنه لا يقوى على السفر ، وفي الكفارة روايتان لكن له الجماع بعد فطره بغيره كفطره بسبب مباح ، ونقل منها في المريض : يفطر بأكل فقلت : يجامع ؛ قال : لا أدري .

                                                                                                                          ( ولا تجب الكفارة بغير الجماع في صيام رمضان ) ; لأنه لم يرد به نص وغيره لا يساويه ، وحكى في " الرعاية " قولا في قضائه إذا أفسده ; لأنها عبادة تجب الكفارة في أدائها ، فوجبت في قضائها كالحج .

                                                                                                                          وجوابه بأنه جامع في غير رمضان ، فلم يلزمه كالكفارة ، والقضاء يفارق الأداء ; لأنه متعين بزمان محترم ، فالجماع فيه هتك له ، وقيل : تجب الكفارة على من أكل أو شرب عمدا كالجماع ، وعنه : في المحتجم - إذا كان عالما بالنهي - عليه الكفارة ، وهل هي كفارة وطء أو مرضع ؛ فيه روايتان . وفي القبلة ، وتكرار النظر إذا أنزل رواية أنها تجب الكفارة ، واختارها القاضي في تعليقه ، وحكم الاستمناء كالقبلة قاله في " التلخيص " واللمس كالوطء دون الفرج .




                                                                                                                          الخدمات العلمية