الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد

                                                                                                                                                                                                        4823 حدثنا محمد بن سلام حدثنا ابن فضيل حدثنا هشام عن أبيه قال كانت خولة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل فلما نزلت ترجئ من تشاء منهن قلت يا رسول الله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك رواه أبو سعيد المؤدب ومحمد بن بشر وعبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة يزيد بعضهم على بعض [ ص: 69 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 69 ] قوله ( باب هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد ) أي فيحل له نكاحها بذلك ، وهذا يتناول صورتين : إحداهما مجرد الهبة من غير ذكر مهر ، والثانية العقد بلفظ الهبة . فالصورة الأولى ذهب الجمهور إلى بطلان النكاح ، وأجازه الحنفية والأوزاعي ، ولكن قالوا يجب مهر المثل ، وقال الأوزاعي : إن تزوج بلفظ الهبة وشرط أن لا مهر لم يصح النكاح . وحجة الجمهور قوله تعالى خالصة لك من دون المؤمنين فعدوا ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم وأنه يتزوج بلفظ الهبة بغير مهر في الحال ولا في المآل . وأجاب المجيزون عن ذلك بأن المراد أن الواهبة تختص به لا مطلق الهبة . والصورة الثانية ذهب الشافعية وطائفة إلى أن النكاح لا يصح إلا بلفظ النكاح أو التزويج ، لأنهما الصريحان اللذان ورد بهما القرآن والحديث . وذهب الأكثر إلى أنه يصح بالكنايات ، واحتج الطحاوي لهم بالقياس على الطلاق فإنه يجوز بصرائحه وبكناياته مع القصد .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( حدثنا هـشام ) هو ابن عروة عن أبيه ( قال كانت خولة ) هذا مرسل ، لأن عروة لم يدرك زمن القصة ، لكن السياق يشعر بأنه حمله عن عائشة . وقد ذكر المصنف عقب هذه الطريق رواية من صرح فيه بذكر عائشة تعليقا ، وقد تقدم في تفسير الأحزاب من طريق أبي أسامة عن هشام كذلك موصولا .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( بنت حكيم ) أي ابن أمية بن الأوقص السلمية ، وكانت زوج عثمان بن مظعون ، وهي من السابقات إلى الإسلام ، وأمها من بني أمية .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( من اللائي وهبن ) وكذا وقع في رواية أبي أسامة المذكورة " قالت كنت أغار من اللائي وهبن أنفسهن " وهذا يشعر بتعدد الواهبات وقد تقدم تفسيرهن في تفسير سورة الأحزاب ، ووقع في رواية أبي سعيد المؤدب الآتي ذكرها في المعلقات عن عروة عن عائشة " قالت التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم خولة بنت حكيم " وهذا محمول على تأويل أنها السابقة إلى ذلك ، أو نحو ذلك من الوجوه التي لا تقتضي الحصر المطلق .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فقالت عائشة : أما تستحي المرأة أن تهب نفسها ) وفي رواية محمد بن بشر الموصولة عن عائشة أنها كانت تعير اللائي وهبن أنفسهن .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( أن تهب نفسها ) زاد في رواية محمد بن بشر " بغير صداق " .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فلما نزلت : ترجي من تشاء في رواية عبدة بن سليمان فأنزل الله ترجي وهذا أظهر في أن نزول الآية بهذا السبب ، قال القرطبي حملت عائشة على هذا التقبيح الغيرة التي طبعت عليها النساء وإلا فقد علمت أن الله أباح لنبيه ذلك وأن جميع النساء لو ملكن له رقهن لكان قليلا .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( ما أرى ربك إلا يسارع في هواك ) في رواية محمد بن بشر " إني لأرى ربك يسارع لك في هواك " أي في رضاك ، قال القرطبي : هذا قول أبرزه الدلال والغيرة ، وهو من نوع قولها ما أحمدكما ولا أحمد إلا الله ، وإلا فإضافة الهوى إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا تحمل على ظاهره ، لأنه لا ينطق عن الهوى ولا يفعل بالهوى ، ولو قالت إلى مرضاتك لكان أليق ، ولكن الغيرة يغتفر لأجلها إطلاق مثل ذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( رواه أبو سعيد المؤدب ومحمد بن بشر وعبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة يزيد بعضهم على [ ص: 70 ] بعض ) أما رواية أبي سعيد واسمه محمد بن مسلم بن أبي الوضاح فوصلها ابن مردويه في التفسير والبيهقي من طريق منصور بن أبي مزاحم عنه مختصرا كما نبهت عليه " قالت التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم خولة بنت حكيم " حسب ، وأما رواية محمد بن بشر فوصلها الإمام أحمد عنه بتمام الحديث ، وقد بينت ما فيه من زيادة وفائدة ، وأما رواية عبدة وهو ابن سليمان فوصلها مسلم وابن ماجه من طريقه وهي نحو رواية محمد بن بشر




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية