الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب من قال لا رضاع بعد حولين لقوله تعالى حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وما يحرم من قليل الرضاع وكثيره

                                                                                                                                                                                                        4814 حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن الأشعث عن أبيه عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل فكأنه تغير وجهه كأنه كره ذلك فقالت إنه أخي فقال انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة [ ص: 50 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 50 ] قوله ( باب من قال لا رضاع بعد حولين ، لقوله عز وجل حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة أشار بهذا إلى قول الحنفية إن أقصى مدة الرضاع ثلاثون شهرا وحجتهم قوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا أي المدة المذكورة لكل من الحمل والفصال ، وهذا تأويل غريب . والمشهور عند الجمهور أنها تقدير مدة أقل الحمل وأكثر مدة الرضاع ، وإلى ذلك صار أبو يوسف ومحمد بن الحسن ، ويؤيد ذلك أن أبا حنيفة لا يقول إن أقصى الحمل سنتان ونصف . وعند المالكية رواية توافق قول الحنفية لكن منزعهم في ذلك أنه يغتفر بعد الحولين مدة يدمن الطفل فيها على الفطام ، لأن العادة أن الصبي لا يفطم دفعة واحدة بل على التدريج في أيام قليلات ، فللأيام التي يحاول فيها فطامه حكم الحولين .

                                                                                                                                                                                                        ثم اختلفوا في تقدير تلك المدة قيل يغتفر نصف سنة ، وقيل شهران ، وقيل شهر ونحوه ، وقيل أيام يسيرة ، وقيل شهر ، وقيل لا يزاد على الحولين وهي رواية ابن وهب عن مالك وبه قال الجمهور ومن حجتهم حديث ابن عباس رفعه لا رضاع إلا ما كان في الحولين أخرجه الدارقطني ، وقال : لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل ، وهو ثقة حافظ . وأخرجه ابن عدي . وقال غير الهيثم يوقفه على ابن عباس وهو المحفوظ ، وعندهم متى وقع الرضاع بعد الحولين ولو بلحظة لم يترتب عليه حكم ، وعند الشافعية لو ابتدأ الوضع في أثناء الشهر جبر المنكسر من شهر آخر ثلاثين يوما ، وقال زفر : يستمر إلى ثلاث سنين إذا كان يجتزئ باللبن ولا يجتزئ بالطعام ، وحكى ابن عبد البر عنه أنه يشترط مع ذلك أن يكون يجتزئ باللبن ، وحكى عن الأوزاعي مثله لكن قال بشرط أن لا يفطم ، فمتى فطم ولو قبل الحولين فما رضع بعده لا يكون رضاعا .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وما يحرم من قليل الرضاع وكثيره ) هذا مصير منه إلى التمسك بالعموم الوارد في الأخبار مثل حديث الباب وغيره ، وهذا قول مالك وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي والليث ، وهو المشهور عند أحمد . وذهب آخرون إلى أن الذي يحرم ما زاد على الرضعة الواحدة . ثم اختلفوا فجاء عن عائشة عشر رضعات أخرجه مالك في " الموطأ " ، وعن حفصة كذلك ، وجاء عن عائشة أيضا سبع رضعات أخرجه ابن أبي خيثمة بإسناد صحيح عن عبد الله بن الزبير عنها ، وعبد الرزاق من طريق عروة " كانت عائشة تقول لا يحرم دون سبع رضعات أو خمس رضعات " وجاء عن عائشة أيضا خمس رضعات ، فعند مسلم عنها " كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات ، ثم نسخت بخمس رضعات معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ " وعند عبد الرزاق بإسناد صحيح عنها قالت : لا يحرم دون خمس رضعات معلومات ، وإلى هذا ذهب الشافعي ، وهي رواية عن أحمد ، وقال به ابن حزم ، وذهب أحمد في رواية وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر وداود وأتباعه - إلا ابن حزم - إلى أن الذي يحرم ثلاث رضعات لقوله صلى الله عليه وسلم " لا تحرم الرضعة والرضعتان " فإن [ ص: 51 ] مفهومه أن الثلاث تحرم ، وأغرب القرطبي . فقال : لم يقل به إلا داود . ويخرج مما أخرجه البيهقي عن زيد بن ثابت بإسناد صحيح أنه يقول لا تحرم الرضعة والرضعتان والثلاث ، وأن الأربع هي التي تحرم . والثابت من الأحاديث حديث عائشة في الخمس ، وأما حديث لا تحرم الرضعة والرضعتان فلعله مثال لما دون الخمس ، وإلا فالتحريم بالثلاث فما فوقها إنما يؤخذ من الحديث بالمفهوم ، وقد عارضه مفهوم الحديث الآخر المخرج عند مسلم وهو الخمس ، فمفهوم " لا تحرم المصة ولا المصتان " أن الثلاث تحرم ، ومفهوم خمس رضعات أن الذي دون الأربع لا يحرم فتعارضا ، فيرجع إلى الترجيح بين المفهومين ، وحديث الخمس جاء من طرق صحيحة ، وحديث المصتان جاء أيضا من طرق صحيحة ، لكن قد قال بعضهم إنه مضطرب لأنه اختلف فيه هل هو عن عائشة أو عن الزبير أو عن ابن الزبير أو عن أم الفضل .

                                                                                                                                                                                                        لكن لم يقدح الاضطراب عند مسلم فأخرجه من حديث أم الفضل زوج العباس أن رجلا من بني عامر قال : يا رسول الله هل تحرم الرضعة الواحدة ؟ قال لا وفي رواية له عنها لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان ولا المصة ولا المصتان قال القرطبي : هو أنص ما في الباب ، إلا أنه يمكن حمله على ما إذا لم يتحقق وصوله إلى جوف الرضيع ، وقوى مذهب الجمهور بأن الأخبار اختلفت في العدد ، وعائشة التي روت ذلك قد اختلف عليها فيما يعتبر من ذلك فوجب الرجوع إلى أقل ما ينطلق عليه الاسم ، ويعضده من حيث النظر أنه معنى طارئ يقتضي تأييد التحريم فلا يشترط فيه العدد كالصهر ، أو يقال مائع يلج الباطن فيحرم فلا يشترط فيه العدد كالمني ، والله أعلم . وأيضا فقول عائشة " عشر رضعات معلومات ثم نسخن بخمس معلومات فمات النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ " لا ينتهض للاحتجاج على الأصح من قولي الأصوليين ، لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر ، والراوي روى هذا على أنه قرآن لا خبر فلم يثبت كونه قرآنا ولا ذكر الراوي أنه خبر ليقبل قوله فيه ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( عن الأشعث ) هو ابن أبي الشعثاء واسمه سليم بن الأسود المحاربي الكوفي .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل ) لم أقف على اسمه وأظنه ابنا لأبي القعيس ، وغلط من قال هو عبد الله بن يزيد رضيع عائشة لأن عبد الله هذا تابعي باتفاق الأئمة ، وكأن أمه التي أرضعت عائشة عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم فولدته فلهذا قيل له رضيع عائشة .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فكأنه تغير وجهه كأنه كره ذلك ) كذا فيه ، ووقع في رواية مسلم من طريق أبي الأحوص عن أشعث " وعندي رجل قاعد فاشتد ذلك عليه ، ورأيت الغضب في وجهه " وفي رواية أبي داود عن حفص بن عمر عن شعبة " فشق ذلك عليه وتغير وجهه " وتقدم من رواية سفيان الماضية في الشهادات " فقال : يا عائشة من هذا " ؟ .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فقالت إنه أخي ) في رواية غندر عن شعبة " إنه أخي من الرضاعة " أخرجه الإسماعيلي ، وقد أخرجه أحمد عن غندر بدونها ، وتقدم في الشهادات من طريق سفيان الثوري عن أشعث فذكرها ، وكذا ذكرها أبو داود في روايته من طريق شعبة وسفيان جميعا عن الأشعث .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( انظرن ما إخوانكن ) في رواية الكشميهني " من إخوانكن " وهي أوجه ، والمعنى تأملن ما وقع من ذلك هل هو رضاع صحيح بشرطه : من وقوعه في زمن الرضاعة ، ومقدار الارتضاع فإن الحكم الذي ينشأ من [ ص: 52 ] الرضاع إنما يكون إذا وقع الرضاع المشترط . قال المهلب : معناه انظرن ما سبب هذه الأخوة ، فإن حرمة الرضاع إنما هي في الصغر حتى تسد الرضاعة المجاعة . وقال أبو عبيد : معناه أن الذي جاع كان طعامه الذي يشبعه اللبن من الرضاع لا حيث يكون الغذاء بغير الرضاع .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فإنما الرضاعة من المجاعة ) فيه تعليل الباعث على إمعان النظر والفكر ، لأن الرضاعة تثبت النسب وتجعل الرضيع محرما . وقوله " من المجاعة " أي الرضاعة التي تثبت بها الحرمة وتحل بها الخلوة هي حيث يكون الرضيع طفلا لسد اللبن جوعته ، لأن معدته ضعيفة يكفيها اللبن وينبت بذلك لحمه فيصير كجزء من المرضعة فيشترك في الحرمة مع أولادها ، فكأنه قال لا رضاعة معتبرة إلا المغنية عن المجاعة أو المطعمة من المجاعة ، كقوله تعالى أطعمهم من جوع ومن شواهده حديث ابن مسعود لا رضاع إلا ما شد العظم ، وأنبت اللحم أخرجه أبو داود مرفوعا وموقوفا ، وحديث أم سلمة " لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء " أخرجه الترمذي وصححه . ويمكن أن يستدل به على أن الرضعة الواحدة لا تحرم لأنها لا تغني من جوع ، وإذا كان يحتاج إلى تقدير فأولى ما يؤخذ به ما قدرته الشريعة وهو خمس رضعات ، واستدل به على أن التغذية بلبن المرضعة يحرم سواء كان بشرب أم أكل بأي صفة كان ، حتى الوجور والسعوط والثرد والطبخ وغير ذلك إذا وقع ذلك بالشرط المذكور من العدد لأن ذلك يطرد الجوع ، وهو موجود في جميع ما ذكر فيوافق الخبر والمعنى وبهذا قال الجمهور .

                                                                                                                                                                                                        لكن استثنى الحنفية الحقنة وخالف في ذلك الليث وأهل الظاهر فقالوا إن الرضاعة المحرمة إنما تكون بالتقام الثدي ومص اللبن منه ، وأورد علي بن حزم أنه يلزم على قولهم إشكال في التقام سالم ثدي سهلة وهي أجنبية منه ، فإن عياضا أجاب عن الإشكال باحتمال أنها حلبته ثم شربه من غير أن يمس ثديها ، قال النووي : وهو احتمال حسن ، لكنه لا يفيد ابن حزم ، لأنه لا يكتفى في الرضاع إلا بالتقام الثدي ، لكن أجاب النووي بأنه عفي عن ذلك للحاجة . وأما ابن حزم فاستدل بقصة سالم على جواز مس الأجنبي ثدي الأجنبية والتقام ثديها إذا أراد أن يرتضع منها مطلقا ; واستدل به على أن الرضاعة إنما تعتبر في حال الصغر لأنها الحال الذي يمكن طرد الجوع فيها باللبن بخلاف حال الكبر ، وضابط ذلك تمام الحولين كما تقدم في الترجمة ، وعليه دل حديث ابن عباس المذكور وحديث أم سلمة " لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام " وصححه الترمذي وابن حبان ، قال القرطبي : في قوله " فإنما الرضاعة من المجاعة " تثبيت قاعدة كلية صريحة في اعتبار الرضاع في الزمن الذي يستغنى به الرضيع عن الطعام باللبن ، ويعتضد بقوله تعالى لمن أراد أن يتم الرضاعة فإنه يدل على أن هذه المدة أقصى مدة الرضاع المحتاج إليه عادة المعتبر شرعا ، فما زاد عليه لا يحتاج إليه عادة فلا يعتبر شرعا ، إذ لا حكم للنادر وفي اعتبار إرضاع الكبير انتهاك حرمة المرأة بارتضاع الأجنبي منها لاطلاعه على عورتها ولو بالتقامه ثديها . قلت : وهذا الأخير على الغالب وعلى مذهب من يشترط التقام الثدي .

                                                                                                                                                                                                        وقد تقدم قبل خمسة أبواب أن عائشة كانت لا تفرق في حكم الرضاع بين حال الصغر والكبر ، وقد استشكل ذلك مع كون هذا الحديث من روايتها واحتجت هي بقصة سالم مولى أبي حذيفة فلعلها فهمت من قوله " إنما الرضاعة من المجاعة " اعتبار مقدار ما يسد الجوعة من لبن المرضعة لمن يرتضع منها ، وذلك أعم من أن يكون المرتضع صغيرا أو كبيرا فلا يكون الحديث نصا في منع اعتبار رضاع الكبير ، وحديث ابن عباس مع تقدير ثبوته ليس نصا في ذلك ولا حديث أم سلمة لجواز أن يكون المراد أن الرضاع بعد الفطام ممنوع ، ثم لو وقع رتب عليه حكم التحريم ، فما في الأحاديث المذكورة ما يدفع هذا الاحتمال ، فلهذا عملت عائشة بذلك ، وحكاه النووي تبعا لابن الصباغ وغيره عن داود . وفيه نظر . وكذا نقل [ ص: 53 ] القرطبي عن داود أن رضاع الكبير يفيد رفع الاحتجاب منه ، ومال إلى هذا القول ابن المواز من المالكية . وفي نسبة ذلك لداود نظر فإن ابن حزم ذكر عن داود أنه مع الجمهور ، وكذا نقل غيره من أهل الظاهر وهم أخبر بمذهب صاحبهم ، وإنما الذي نصر مذهب عائشة هذا وبالغ في ذلك هو ابن حزم ونقله عن علي ، وهو من رواية الحارث الأعور عنه ، ولذلك ضعفه ابن عبد البر ، وقال عبد الرزاق عن ابن جريج : قال رجل لعطاء إن امرأة سقتني من لبنها بعدما كبرت أفأنكحها ؟ قال : لا . قال ابن جريج : فقلت له : هذا رأيك ؟ قال : نعم . كانت عائشة تأمر بذلك بنات أخيها ، وهو قول الليث بن سعد ، وقال ابن عبد البر : لم يختلف عنه في ذلك . قلت : وذكر الطبري في " تهذيب الآثار " في مسند علي هذه المسألة وساق بإسناده الصحيح عن حفصة مثل قول عائشة ، وهو مما يخص به عموم قول أم سلمة " أبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحدا " أخرجه مسلم وغيره ، ونقله الطبري أيضا عن عبد الله بن الزبير والقاسم بن محمد وعروة في آخرين ، وفيه تعقب على القرطبي حيث خص الجواز بعد عائشة بداود .

                                                                                                                                                                                                        وذهب الجمهور إلى اعتبار الصغر في الرضاع المحرم وقد تقدم ضبطه ، وأجابوا عن قصة سالم بأجوبة : منها أنه حكم منسوخ وبه جزم المحب الطبري في أحكامه ، وقرره بعضهم بأن قصة سالم كانت في أوائل الهجرة والأحاديث الدالة على اعتبار الحولين من رواية أحداث الصحابة فدل على تأخرها ، وهو مستند ضعيف إذ لا يلزم من تأخر إسلام الراوي ولا صغره أن لا يكون ما رواه متقدما ، وأيضا ففي سياق قصة سالم ما يشعر بسبق الحكم باعتبار الحولين لقول امرأة أبي حذيفة في بعض طرقه حيث قال لها النبي صلى الله عليه وسلم " أرضعيه ، قالت : وكيف أرضعه وهو رجل كبير ؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : قد علمت أنه رجل كبير " وفي رواية لمسلم قالت " إنه ذو لحية ، قال : أرضعيه " وهذا يشعر بأنها كانت تعرف أن الصغر معتبر في الرضاع المحرم . ومنها دعوى الخصوصية بسالم وامرأة أبي حذيفة ، والأصل فيه قول أم سلمة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم : ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة ، وقرره ابن الصباغ وغيره بأن أصل قصة سالم ما كان وقع من التبني الذي أدى إلى اختلاط سالم بسهلة ، فلما نزل الاحتجاب ومنعوا من التبني شق ذلك على سهلة فوقع الترخيص لها في ذلك لرفع ما حصل لها من المشقة ، وهذا فيه نظر لأنه يقتضي إلحاق من يساوي سهلة في المشقة والاحتجاج بها فتنفي الخصوصية ويثبت مذهب المخالف ، لكن يفيد الاحتجاج . وقرره آخرون بأن الأصل أن الرضاع لا يحرم ، فلما ثبت ذلك في الصغر خولف الأصل له وبقي ما عداه على الأصل ، وقصة سالم واقعة عين يطرقها احتمال الخصوصية فيجب الوقوف عن الاحتجاج بها .

                                                                                                                                                                                                        ورأيت بخط تاج الدين السبكي أنه رأى في تصنيف لمحمد بن خليل الأندلسي في هذه المسألة أنه توقف في أن عائشة وإن صح عنها الفتيا بذلك لكن لم يقع منها إدخال أحد من الأجانب بتلك الرضاعة ، قال تاج الدين : ظاهر الأحاديث ترد عليه ، وليس عندي فيه قول جازم لا من قطع ولا من ظن غالب ، كذا قال ، وفيه غفلة عما ثبت عند أبي داود في هذه القصة " فكانت عائشة تأمر بنات إخوتها وبنات أخواتها أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها ويراها وإن كان كبيرا خمس رضعات ثم يدخل عليها " وإسناده صحيح ، وهو صريح ، فأي ظن غالب وراء هذا ؟ والله سبحانه وتعالى أعلم . وفي الحديث أيضا جواز دخول من اعترفت المرأة بالرضاعة معه عليها وأنه يصير أخا لها وقبول قولها فيمن اعترفت به ، وأن الزوج يسأل زوجته عن سبب إدخال الرجال بيته والاحتياط في ذلك والنظر فيه ، وفي قصة سالم جواز الإرشاد إلى الحيل ، وقال ابن الرفعة يؤخذ منه جواز تعاطي ما يحصل الحل في المستقبل وإن كان ليس حلالا في الحال .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية