الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأما رأسه رضي الله عنه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فالمشهور بين أهل التاريخ وعلماء السير أنه بعث به ابن زياد إلى يزيد بن معاوية ، ومن الناس من أنكر ذلك ، وعندي أن الأول أشهر . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم اختلفوا بعد ذلك في المكان الذي دفن فيه الرأس ; فروى محمد بن سعد [ ص: 581 ] أن يزيد بعث برأس الحسين إلى عمرو بن سعيد نائب المدينة فدفنه عند أمه بالبقيع .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذكر ابن أبي الدنيا من طريق عثمان بن عبد الرحمن ، عن محمد بن عمر بن صالح - وهما ضعيفان - أن الرأس لم يزل في خزانة يزيد بن معاوية حتى توفي ، فأخذ من خزانته ، فكفن ودفن داخل باب الفراديس من مدينة دمشق . قلت : ويعرف مكانه بمسجد الرأس اليوم داخل باب الفراديس الثاني .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذكر الحافظ بن عساكر في " تاريخه " في ترجمة ريا حاضنة يزيد بن معاوية ، أن يزيد حين وضع رأس الحسين بين يديه تمثل بشعر ابن الزبعرى ، يعني قوله :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل قالت : ثم نصبه بدمشق ثلاثة أيام ، ثم وضع في خزائن السلاح ، حتى كان زمان سليمان بن عبد الملك فجيء به إليه ، وقد بقي عظما أبيض ، فكفنه وطيبه وصلى عليه ، ودفنه في مقابر المسلمين ، فلما جاءت المسودة - يعني بني العباس - نبشوا عن رأس الحسين وأخذوه معهم . وذكر ابن عساكر أن هذه المرأة بقيت بعد دولة بني أمية وقد جاوزت المائة سنة . فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 582 ] وادعت الطائفة المسمون بالفاطميين ، الذين ملكوا الديار المصرية قبل سنة أربعمائة إلى ما بعد سنة ستين وستمائة ، أن رأس الحسين وصل إلى الديار المصرية ، ودفنوه بها وبنوا عليه المشهد المشهور به بمصر ، الذي يقال له : تاج الحسين . بعد سنة خمسمائة . وقد نص غير واحد من أئمة أهل العلم على أنه لا أصل لذلك ، وإنما أرادوا أن يروجوا بذلك بطلان ما ادعوه من النسب الشريف ، وهم في ذلك كذبة خونة ، وقد نص على ذلك القاضي الباقلاني وغير واحد من أئمة العلماء في دولتهم في حدود سنة أربعمائة ، كما سنبين ذلك كله إذا انتهينا إليه في مواضعه إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية