الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        4 حديث ثالث

                                                                                                                        4 - مالك عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت : إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي الصبح ، فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ، ما يعرفن من الغلس .

                                                                                                                        [ ص: 216 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 216 ] 255 - وروى يحيى بن يحيى : " متلففات " بالفاء ، وتابعه طائفة من رواة الموطإ ، وأكثر الرواة على " متلفعات " بالعين ، والمعنى واحد ، والمروط : أكسية الصوف ، وقد قيل : المرط كساء صوف سداه شعر .

                                                                                                                        256 - وفي هذا الحديث : التغليس بصلاة الصبح ، وهو الأفضل عندنا ؛ لأنها كانت صلاة رسول الله ، وأبي بكر ، وعمر . ولفظ حديث عائشة هذا يدل على أنه كان الأغلب من فعله ، والذي كان يداوم عليه ; لقولها كان رسول الله يصلي الصبح في وقت كذا ، أو على صفة كذا يدل على أن ذلك فعله دهره ، أو أكثر دهره ، والله أعلم .

                                                                                                                        257 - وإلى التغليس بها ذهب مالك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وعامة فقهاء الحجاز ، وهو الأفضل عندهم ، وبه قال داود .

                                                                                                                        258 - وذهب الكوفيون إلى الإسفار بها على ما قدمنا ذكره عنهم وهو أفضل عندهم من قول طاوس ، وإبراهيم ، وجماعة .

                                                                                                                        259 - وقال الطحاوي : إنما تتفق معاني آثار هذا الباب بأن يكون دخوله - عليه السلام - مغلسا ، ثم يطيل القراءة حتى ينصرف عنها مسفرا .

                                                                                                                        [ ص: 217 ] 260 - وهذا خلاف قول عائشة ; لأنها حكت أن انصراف النساء كان وهن لا يعرفن من الغلس .

                                                                                                                        261 - ولو قرأ - عليه السلام - بالسور الطوال ما انصرف الناس إلا وهم قد أسفروا بل دخلوا في الإسفار جدا .

                                                                                                                        262 - ألا ترى إلى أبي بكر حين قرأ بالبقرة في ركعتي صلاة الصبح فانصرف ، فقيل له : كادت الشمس أن تطلع ، فقال : لو طلعت لما وجدتنا غافلين ؟ .

                                                                                                                        263 - ورواه ابن عيينة ، وغيره ، عن ابن شهاب ، عن أنس : أنه صلى خلف أبي بكر ، فذكره .

                                                                                                                        264 - وذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أي حين أحب إليك : أن أصلي الصبح إماما وخلوا ؟ قال : حين ينفجر الفجر الآخر ، ثم تطول القراءة والركوع والسجود حتى تنصرف منها وقد تبلج النهار وتتام الناس .

                                                                                                                        265 - ولقد بلغني أن عمر بن الخطاب كان يصليها حين ينفجر الفجر الآخر ، وكان يقرأ في إحدى الركعتين بسورة يوسف .

                                                                                                                        266 - وأما قول عطاء : الفجر الآخر فهو مأخوذ - والله أعلم - من حديث مرسل ذكره ابن وهب ، عن ابن أبي ذئب ، عن الحارث بن عبد الرحمن ، عن محمد [ ص: 218 ] بن عبد الرحمن بن ثوبان أن رسول الله - عليه السلام - قال : " هما فجران : فأما الذي كأنه ذنب السرحان فإنه لا يحل شيئا ولا يحرم ، وأما المستطير الذي يأخذ الأفق فبه تحل الصلاة ويحرم الطعام على الصائم " .

                                                                                                                        267 - وقد غلط بعض من ألف في شرح " الموطإ " فزعم أن هذا الحديث رواه ثوبان ، عن النبي - عليه السلام - وهذا غلط بين ، أرسله محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، وليس بينه وبين ثوبان مولى رسول الله نسب .

                                                                                                                        268 - وروي الإسفار والتنوير بالفجر عن علي ، وابن مسعود ، وأصحابهما ، وسعيد بن جبير ، وعمر بن عبد العزيز .

                                                                                                                        269 - وذكر ابن أبي شيبة عن ابن مهدي ، عن معاوية بن صالح ، عن أبي الزاهرية ، عن جبير بن نفير قال : صلى بنا معاوية بغلس ، فقال أبو الدرداء : أسفروا بهذه الصلاة ، فإنه أفقه لكم .

                                                                                                                        270 - وقال إسحاق بن منصور : سألت أحمد بن حنبل عن الإسفار ما هو ؟ فقال الإسفار أن يتضح الفجر ، فلا تشك أنه طلع الفجر .

                                                                                                                        271 - قال : وقال إسحاق بن راهويه : هو كما قال أحمد .

                                                                                                                        272 - حدثنا أحمد بن محمد قال : حدثنا الحسن بن سلمة بن المغل قال : حدثنا عبد الله بن الجارود قال : حدثنا إسحاق بن منصور الكوسج قال : حدثنا أحمد بن حنبل فذكره . قال : وقال لي إسحاق بن راهويه مثله .

                                                                                                                        273 - وبهذا الإسناد مسائل أحمد وإسحاق كلها في هذا الكتاب .




                                                                                                                        الخدمات العلمية