الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم فيه مسألتان :

الأولى : قوله تعالى : هو الذي يصوركم أخبر تعالى عن تصويره للبشر في أرحام الأمهات ، وأصل الرحم من الرحمة ؛ لأنها مما يتراحم به . واشتقاق الصورة من صاره إلى كذا إذا أماله ، فالصورة مائلة إلى شبه وهيئة . وهذه الآية تعظيم لله تعالى ، وفي ضمنها الرد على نصارى نجران ، وأن عيسى من المصورين ، وذلك مما لا ينكره عاقل . وأشار تعالى إلى شرح التصوير في سورة ( الحج ) و ( المؤمنون ) . وكذلك شرحه النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن مسعود ، على ما يأتي هناك بيانه إن شاء الله تعالى . وفيها الرد على الطبائعيين أيضا إذ يجعلونها فاعلة مستبدة ، وقد مضى الرد عليهم في آية التوحيد . وفي مسند ابن سنجر - واسمه محمد بن سنجر - [ ص: 9 ] حديث : ( إن الله تعالى يخلق عظام الجنين وغضاريفه من مني الرجل وشحمه ولحمه من مني المرأة ) . وفي هذا أدل دليل على أن الولد يكون من ماء الرجل والمرأة ، وهو صريح في قوله تعالى : يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى . وفي صحيح مسلم من حديث ثوبان وفيه أن اليهودي قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان ، قال : ( ينفعك إن حدثتك ) ؟ قال : أسمع بأذني ، قال : جئتك أسألك عن الولد . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله تعالى ، وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله . . . ) الحديث . وسيأتي بيانه آخر ( الشورى ) إن شاء الله تعالى .

الثانية : قوله تعالى : كيف يشاء يعني من حسن وقبح وسواد وبياض وطول وقصر وسلامة وعاهة ، إلى غير ذلك من الشقاء والسعادة . وذكر عن إبراهيم بن أدهم أن القراء اجتمعوا إليه ليسمعوا ما عنده من الأحاديث ، فقال لهم : إني مشغول عنكم بأربعة أشياء ، فلا أتفرغ لرواية الحديث . فقيل له : وما ذاك الشغل ؟ قال : أحدها إني أتفكر في يوم الميثاق حيث قال : ( هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي ) فلا أدري من أي الفريقين كنت في ذلك الوقت ، والثاني حيث صورت في الرحم فقال الملك الذي هو موكل على الأرحام : ( يا رب شقي هو أم سعيد ) فلا أدري كيف كان الجواب في ذلك الوقت ، والثالث حين يقبض ملك الموت روحي فيقول : ( يا رب مع الكفر أم مع الإيمان ) فلا أدري كيف يخرج الجواب ، والرابع حيث يقول : وامتازوا اليوم أيها المجرمون فلا أدري في أي الفريقين أكون .

ثم قال تعالى : لا إله إلا هو أي لا خالق ولا مصور سواه ، وذلك دليل على وحدانيته ، فكيف يكون عيسى إلها مصورا وهو مصور . العزيز الذي لا يغالب . الحكيم ذو الحكمة أو المحكم ، وهذا أخص بما ذكر من التصوير .

[ ص: 10 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية