الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب اتباع الجنائز من الإيمان

                                                                                                                                                                                                        47 حدثنا أحمد بن عبد الله بن علي المنجوفي قال حدثنا روح قال حدثنا عوف عن الحسن ومحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا وكان معه حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين كل قيراط مثل أحد ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط تابعه عثمان المؤذن قال حدثنا عوف عن محمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب اتباع الجنائز من الإيمان ) ختم المصنف معظم التراجم التي وقعت له من شعب الإيمان بهذه [ ص: 134 ] الترجمة لأن ذلك آخر أحوال الدنيا . وإنما أخر ترجمة أداء الخمس من الإيمان لمعنى سنذكره هناك . ووجه الدلالة من الحديث للترجمة قد نبهنا عليه في نظائره قبل .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( المنجوفي ) هو بفتح الميم وسكون النون وضم الجيم وبعد الواو الساكنة فاء نسبة إلى جد جده منجوف السدوسي ، وهو بصري ، وكذا باقي رجال الإسناد غير الصحابي . وروح بفتح الراء هو ابن عبادة القيسي ، وعوف هو ابن أبي جميلة بفتح الجيم الأعرابي بفتح الهمزة ، وإنما قيل له ذلك لفصاحته وكنيته أبو سهل ، واسم أبيه بندويه - بموحدة مفتوحة ثم نون ساكنة ثم دال مهملة - بوزن راهويه ، والحسن هو ابن أبي الحسن البصري ، ومحمد هو ابن سيرين ، وهو مجرور بالعطف على الحسن ، فالحسن وابن سيرين حدثا به عوفا عن أبي هريرة إما مجتمعين وإما متفرقين ، فأما ابن سيرين فسماعه عن أبي هريرة صحيح ، وأما الحسن فمختلف في سماعه منه ، والأكثر على نفيه وتوهيم من أثبته ، وهو مع ذلك كثير الإرسال فلا تحمل عنعنته على السماع ، وإنما أورده المصنف كما سمع ، وقد وقع له نظير هذا في قصة موسى ، فإنه أخرج فيها حديثا من طريق روح بن عبادة بهذا الإسناد ، وأخرج أيضا في بدء الخلق من طريق عوف عنهما عن أبي هريرة حديثا آخر ، واعتماده في كل ذلك على محمد بن سيرين . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( من اتبع ) هو بالتشديد ، وللأصيلي " تبع " بحذف الألف وكسر الموحدة ، وقد تمسك بهذا اللفظ من زعم أن المشي خلفها أفضل ، ولا حجة فيه لأنه يقال تبعه إذا مشى خلفه أو إذا مر به فمشى معه ، وكذلك اتبعه بالتشديد وهو افتعل منه ، فإذا هو مقول بالاشتراك ، وقد بين المراد الحديث الآخر المصحح عند ابن حبان وغيره من حديث ابن عمر في المشي أمامها ، وأما أتبعه بالإسكان فهو بمعنى لحقه إذا كان سبقه ، ولم تأت به الرواية هنا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وكان معه ) أي : مع المسلم ، وللكشميهني " معها " أي : مع الجنازة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حتى يصلي ) بكسر اللام ويروى بفتحها ، فعلى الأول لا يحصل الموعود به إلا لمن توجد منه الصلاة ، وعلى الثاني قد يقال يحصل له ذلك ولو لم يصل ، أما إذا قصد الصلاة وحال دونه مانع فالظاهر حصول الثواب له مطلقا ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ويفرغ ) بضم أوله وفتح الراء ، ويروى بالعكس ، وقد أثبتت هذه الرواية أن القيراطين إنما يحصلان بمجموع الصلاة والدفن ، وأن الصلاة دون الدفن يحصل بها قيراط واحد ، وهذا هو المعتمد خلافا لمن تمسك بظاهر بعض الروايات فزعم أنه يحصل بالمجموع ثلاثة قراريط ، وسنذكر بقية مباحثه وفوائده في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( تابعه ) أي : روح بن عبادة ، وعثمان هو ابن الهيثم وهو من شيوخ البخاري ، فإن كان سمع هذا الحديث منه فهو له أعلى بدرجة ، لكنه ذكر الموصول عن روح لكونه أشد إتقانا منه ، ونبه برواية عثمان على أن الاعتماد في هذا السند على محمد بن سيرين فقط لأنه لم يذكر الحسن ، فكأن عوفا كان ربما ذكره وربما حذفه ، وقد حدث به المنجوفي شيخ البخاري مرة بإسقاط الحسن ، أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريقه ، ومتابعة عثمان هذه وصلها أبو نعيم في المستخرج قال : حدثنا أبو إسحاق بن حمزة حدثنا أبو طالب بن أبي عوانة [ ص: 135 ] حدثنا سليمان بن سيف حدثنا عثمان بن الهيثم . . فذكر الحديث ، ولفظه موافق لرواية روح إلا في قوله : وكان معها فإنه قال بدلها " فلزمها " ، وفي قوله ويفرغ من دفنها فإنه قال بدلها " وتدفن " ، وقال في آخره " فله قيراط " بدل قوله فإنه يرجع بقيراط ، والباقي سواء . ولهذا الاختلاف في اللفظ قال المصنف " نحوه " وهو بفتح الواو ، أي : بمعناه .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية