الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 349 ] كتاب الإقرار

                                                                                                                                                                        هو إخبار عن حق سابق ، وفيه أربعة أبواب .

                                                                                                                                                                        الأول : في أركانه ، وهي أربعة .

                                                                                                                                                                        الأول : المقر ، وهو مطلق ، ومحجور عليه . فالمطلق ، يصح إقراره . قال الغزالي : يصح إقراره بكل ما يقدر على إنشائه ، وهذا الضبط تستثنى منه صورا . منها : لو قال الوكيل : تصرفت كما أذنت ، فقال الموكل : لم تتصرف ، لم يقبل إقرار الوكيل على أحد القولين مع قدرته على الإنشاء . وكذا لو قال : استوفيت ما أمرتني باستيفائه ، ونازعه كما سبق . ومنها : إنشاء نكاح الثيب إلى وليها ، فإقراره غير مقبول ، ويمكن أن يزاد في الضبط فيقال : ينفذ إقراره في التصرفات المتعلقة به التي يستقل بإنشائها . أو يقال : ما يقدر على إنشائه ، يؤاخذ المقر بموجب إقراره ، ولا يلزمه نفوذه في حق الغير ، فتخرج عنه المسائل . وأما المحجور ، فقد ذكرنا أقسامه في كتاب الحجر . فمنه الصبي ، وإقراره باطل ، لكن يصح إقراره بالوصية والتدبير إذا صححناهما منه . ولو ادعى أنه بلغ بالاحتلام ، أو ادعت أنها بلغت بالحيض في وقت إمكانهما صدقا . فإن فرض ذلك في خصومة ، لم يحلفا ؛ لأنه لا يعرف إلا من جهتهما ، فأشبه إذا علق العتق بمشيئة غيره فقال : شئت ، صدق بلا يمين ، هكذا قاله الشيخ أبو زيد ، والإمام ، والغزالي .

                                                                                                                                                                        قال الإمام : فلو بلغ مبلغا يتيقن بلوغه ، فالظاهر أنه لا يحلف أيضا على أنه كان بالغا ، لأنا إذا حكمنا بمقتضى قوله ، فقد أنهينا الخصومة منتهاها ، فلا عود إلى التحليف . وفي " التهذيب " وغيره : أنه إذا جاء واحد من الغزاة يطلب سهم المقاتلة ، وذكر أنه احتلم ، حلف وأخذ [ ص: 350 ] السهم . فإن لم يحلف ، ففي إعطائه ، وجهان .

                                                                                                                                                                        ولو ادعى البلوغ بالسن ، طولب بالبينة ، لإمكانها . فلو كان غريبا خامل الذكر ، فهل يطالب بالبينة لإمكانها من جنس المدعي ؟ أم يلحق بالاحتلام ؟ أم ينظر إلى الإنبات لتعذر معرفة التاريخ كما في صبيان الكفار ؟ فيه ثلاثة احتمالات للإمام . أصحها : أولها .

                                                                                                                                                                        قلت : ولو أقر بعد بلوغه ورشده أنه أتلف في صباه مالا ، لزمه الآن قطعا ، كما لو قامت به بينة ، ذكره ابن كج . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ومنه المجنون ، وهو مسلوب العبارة إنشاء وإقرارا في كل شيء بلا استثناء . وفي السكران خلاف وتفصيل مشهور ، نذكره في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        قلت : والمغمى عليه ، ومن زال عقله بسبب يعذر فيه ، كشرب الدواء ونحوه ، أو أكره على شرب الخمر ، لا يصح إقرارهم . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ومنه : حجر المبذر والمفلس ، وقد سبق حكمهما في بابيهما . ويقبل إقرار المحجور عليه للفلس بالنكاح ، دون المحجور عليه لسفه ، اعتبارا للإقرار بالإنشاء .

                                                                                                                                                                        قال الإمام : وإقرار السفيهة بأنها منكوحة فلان ، كإقرار الرشيدة ، إذ لا أثر للسفه في النكاح من جانبها ، وفيه احتمال بسبب ضعف قولها وعقلها .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية