الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 362 ] مالك بن دينار ( 4 )

                                                                                      علم العلماء الأبرار ، معدود في ثقات التابعين ، ومن أعيان كتبة المصاحف ، كان من ذلك بلغته . ولد في أيام ابن عباس ، وسمع من أنس بن مالك ، فمن بعده ، وحدث عنه ، وعن الأحنف بن قيس ، وسعيد بن جبير ، والحسن البصري ، ومحمد بن سيرين ، والقاسم بن محمد ، وعدة .

                                                                                      حدث عنه سعيد بن أبي عروبة ، وعبد الله بن شوذب ، وهمام بن يحيى ، وأبان بن يزيد العطار ، وعبد السلام بن حرب ، والحارث بن وجيه ، وطائفة سواهم ، وليس هو من أساطين الرواية . وثقه النسائي وغيره ، واستشهد به البخاري ، وحديثه في درجة الحسن .

                                                                                      قال علي بن المديني : له نحو من أربعين حديثا .

                                                                                      قال جعفر بن سليمان : سمعت مالك بن دينار يقول : وددت أن رزقي في حصاة أمتصها لا ألتمس غيرها ، حتى أموت .

                                                                                      وقال : مذ عرفت الناس لم أفرح بمدحهم ، ولم أكره ذمهم ; لأن حامدهم مفرط ، وذامهم مفرط ، إذا تعلم العالم العلم للعمل كسره ، وإذا تعلمه لغير العمل ، زاده فخرا . الأصمعي عن أبيه ، قال : مر المهلب على مالك بن دينار متبخترا ، فقال : [ ص: 363 ] أما علمت أنها مشية يكرهها الله إلا بين الصفين ؟ ! فقال المهلب : أما تعرفني ؟

                                                                                      قال : بلى ، أولك نطفة مذرة ، وآخرك جيفة قذرة ، وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة . فانكسر ، وقال : الآن عرفتني حق المعرفة .

                                                                                      قال حزم القطعي : دخلنا على مالك وهو يكيد بنفسه ، فرفع طرفه ثم قال : اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء لبطن ولا فرج . قيل : كان أبوه دينار من سبي سجستان ، وكناه النسائي أبا يحيى ، وقال : ثقة .

                                                                                      قال جعفر بن سليمان ، عن مالك بن دينار : إذا لم يكن في القلب حزن خرب ، وعن مالك بن دينار قال : من تباعد من زهرة الدنيا ، فذاك الغالب هواه .

                                                                                      وروى رياح القيسي عنه قال : ما من أعمال البر شيء ، إلا ودونه عقيبة ، فإن صبر صاحبها ، أفضت به إلى روح ، وإن جزع ، رجع . وقيل : دخل عليه لص ، فما وجد ما يأخذ ، فناداه مالك : لم تجد شيئا من الدنيا ، فترغب في شيء من الآخرة ؟ قال : نعم . قال : توضأ ، وصل ركعتين ، ففعل ثم جلس وخرح إلى المسجد . فسئل من ذا ؟ قال : جاء ليسرق فسرقناه . عن سلم الخواص قال : قال مالك بن دينار : خرج أهل الدنيا من الدنيا ولم يذوقوا أطيب شيء فيها ، قيل : وما هو ؟ قال : معرفة الله تعالى .

                                                                                      وروى جعفر بن سليمان ، عن مالك قال : إن الصديقين إذا قرئ عليهم القرآن طربت قلوبهم إلى الآخرة . ثم يقول : خذوا ، فيتلو ، ويقول : اسمعوا إلى قول الصادق من فوق عرشه . قال محمد بن سعد : مالك ثقة ، قليل الحديث ، كان يكتب المصاحف .

                                                                                      وقال جعفر بن سليمان ، حدثنا مالك بن دينار قال : أتينا أنسا أنا وثابت ويزيد الرقاشي ، فنظر إلينا فقال : ما أشبهكم بأصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- لأنتم أحب إلي [ ص: 364 ] من عدة ولدي إلا أن يكونوا في الفضل مثلكم ، إني لأدعو لكم في الأسحار .

                                                                                      قال الدارقطني : مالك بن دينار ثقة ، ولا يكاد يحدث عنه ثقة .

                                                                                      قال السري بن يحيى : قال مالك بن دينار : إنه لتأتي علي السنة لا آكل فيها لحما إلا من أضحيتي يوم الأضحى .

                                                                                      قال سليمان التيمي : ما أدركت أحدا أزهد من مالك بن دينار . جعفر بن سليمان ، سمعت مالكا يقول : وددت أن الله يجمع الخلائق ، فيأذن لي أن أسجد بين يديه ، فأعرف أنه قد رضي عني ، فيقول لي : كن ترابا .

                                                                                      قال رياح بن عمرو القيسي : سمعت مالك بن دينار يقول : دخل علي جابر بن زيد ، وأنا أكتب ، فقال : يا مالك ما لك عمل إلا هذا ؟ تنقل كتاب الله ، هذا والله الكسب الحلال . وعن شعبة ، قال : كان أدم مالك بن دينار في كل سنة بفلسين ملح .

                                                                                      قال جعفر بن سليمان : كان ينسخ المصحف في أربعة أشهر ، فيدع أجرته عند البقال فيأكله . وعنه : لو استطعت لم أنم مخافة أن ينزل العذاب . يا أيها الناس النار النار .

                                                                                      قال معلى الوراق : سمعت مالك بن دينار يقول : خلطت دقيقي بالرماد فضعفت عن الصلاة . قال السري بن يحيى : توفي مالك بن دينار سنة سبع وعشرين ومائة وقال ابن المديني : سنة ثلاثين ومائة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية