الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له وغسل الفرج إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يجامع

                                                                                                                305 حدثنا يحيى بن يحيى التميمي ومحمد بن رمح قالا أخبرنا الليث ح وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                ( باب جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له وغسل الفرج إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يجامع )

                                                                                                                فيه حديث عائشة - رضي الله عنها - ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام ) في رواية : ( إذا كان جنبا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة ) وفي رواية عمر - رضي الله عنه - ( يا رسول الله أيرقد أحدنا وهو جنب ؟ قال : نعم إذا توضأ ) . وفي رواية ( نعم ، ليتوضأ ثم لينم حتى يغتسل إذا شاء ) . وفي رواية : ( توضأ واغسل ذكرك ثم نم ) . وفي رواية ( أن رسول [ ص: 545 ] [ ص: 546 ] الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا كان جنبا ربما اغتسل فنام وربما توضأ فنام ) . وفي رواية : ( إذا أتى أحدكم أهله ، ثم أراد أن يعود فليتوضأ ، بينهما وضوءا ) وفي رواية : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يطوف على نسائه بغسل واحد ) حاصل الأحاديث كلها أنه يجوز للجنب أن ينام ويأكل ويشرب ويجامع قبل الاغتسال ، وهذا مجمع عليه ، وأجمعوا على أن بدن الجنب وعرقه طاهران ، وفيها أنه يستحب أن يتوضأ ، ويغسل فرجه لهذه الأمور كلها ، ولا سيما إذا أراد جماع من لم يجامعها ; فإنه يتأكد استحباب غسل ذكره ، وقد نص أصحابنا أنه يكره النوم والأكل والشرب والجماع قبل الوضوء ، وهذه الأحاديث تدل عليه ، ولا خلاف عندنا أن هذا الوضوء ليس بواجب ، وبهذا قال مالك والجمهور ، وذهب ابن حبيب من أصحاب مالك إلى وجوبه ، وهو مذهب داود الظاهري ، والمراد بالوضوء وضوء الصلاة الكامل ، وأما حديث ابن عباس المتقدم في الباب قبله في الاقتصار على الوجه واليدين ; فقد قدمنا أن ذلك لم يكن في الجنابة ، بل في الحدث الأصغر . وأما حديث أبي إسحاق السبيعي عن الأسود عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينام وهو جنب ولا يمس ماء ، رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم ، فقال أبو داود : عن يزيد بن هارون وهم أبو إسحاق في هذا ، يعني في قوله : لا يمس ماء . وقال الترمذي : يرون أن هذا غلط من أبي إسحاق . وقال البيهقي : طعن الحفاظ في هذه اللفظة ، فبان بما ذكرناه ضعف الحديث ، وإذا ثبت ضعفه لم يبق فيه ما يتعرض به على ما قدمناه ، ولو صح لم يكن أيضا مخالفا ، بل كان له جوابان : أحدهما جواب الإمامين الجليلين أبي العباس بن شريح وأبي بكر البيهقي : أن المراد لا يمس ماء للغسل . والثاني وهو عندي حسن : أن المراد أنه كان في بعض الأوقات لا يمس ماء أصلا ، لبيان الجواز . إذ لو واظب عليه لتوهم وجوبه . والله أعلم .

                                                                                                                وأما طوافه - صلى الله عليه وسلم - على نسائه بغسل واحد فيحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يتوضأ بينهما ، أو يكون المراد بيان جواز ترك الوضوء ، وقد جاء في سنن أبي داود أنه - صلى الله عليه وسلم - طاف على نسائه ذات ليلة ، يغتسل عند هذه وعند هذه ، فقيل : يا رسول الله ! ألا تجعله غسلا واحدا ؟ فقال : " هذا أزكى وأطيب وأطهر " قال أبو داود : والحديث الأول أصح ، قلت : وعلى تقدير صحته ، يكون هذا في وقت وذاك في وقت . والله أعلم .

                                                                                                                واختلف العلماء في حكمة هذا الوضوء ، فقال أصحابنا : لأنه يخفف الحدث ، فإنه يرفع الحدث عن أعضاء الوضوء . وقال أبو عبد الله المازري - رضي الله عنه - : اختلف في تعليله ، فقيل : ليبيت على [ ص: 547 ] إحدى الطهارتين خشية أن يموت في منامه . وقيل : بل لعله أن ينشط إلى الغسل إذا نال الماء أعضاءه . قال المازري : ويجري هذا الخلاف في وضوء الحائض قبل أن تنام ، فمن علل بالمبيت على طهارة استحبه لها . هذا كلام المازري . وأما أصحابنا فإنهم متفقون على أنه لا يستحب الوضوء للحائض والنفساء ; لأن الوضوء لا يؤثر في حدثهما ، فإن كانت الحائض قد انقطعت حيضتها صارت كالجنب . والله أعلم .

                                                                                                                وأما طواف النبي - صلى الله عليه وسلم - على نسائه بغسل واحد ، فهو محمول على أنه كان برضاهن أو برضى صاحبة النوبة ، إن كانت نوبة واحدة ، وهذا التأويل يحتاج إليه من يقول : كان القسم واجبا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدوام ، كما يجب علينا ، وأما من لا يوجبه فلا يحتاج إلى تأويل فإن له أن يفعل ما يشاء . وهذا الخلاف في وجوب القسم هو وجهان لأصحابنا . والله أعلم .

                                                                                                                وفي هذه الأحاديث المذكورة في الباب أن غسل الجنابة ليس على الفور ، وإنما يتضيق على الإنسان عند القيام إلى الصلاة وهذا بإجماع المسلمين . وقد اختلف أصحابنا في الموجب لغسل الجنابة هل حصول الجنابة بالتقاء الختانين ؟ أو إنزال المني ؟ أم هو القيام إلى الصلاة ؟ أم هو حصول الجنابة مع القيام إلى الصلاة ؟ فيه ثلاثة أوجه لأصحابنا ، ومن قال : يجب بالجنابة قال : هو وجوب موسع ، وكذا اختلفوا في موجب الوضوء ، هل هو الحدث أم القيام إلى الصلاة أم المجموع ؟ ، وكذا اختلفوا في الموجب لغسل الحيض هل هو خروج الدم أم انقطاعه ؟ والله أعلم .

                                                                                                                وأما ما يتعلق بأسانيد الباب ، فقوله : ( قال ابن المثنى في حديثه : حدثنا الحكم ، سمعت إبراهيم يحدث ) معناه : قال ابن المثنى في روايته عن محمد بن جعفر عن شعبة ، قال شعبة : حدثنا الحكم . قال : سمعت إبراهيم يحدث ، وفي الرواية المتقدمة : شعبة عن الحكم عن إبراهيم ، والمقصود أن الرواية الثانية أقوى من الأولى ، فإن الأولى ( بعن عن ) ، والثانية ( بحدثنا وسمعت ) ، وقد علم أن ( حدثنا وسمعت ) أقوى من ( عن ) ، وقد قالت جماعة من العلماء : إن ( عن ) لا تقتضي الاتصال ، ولو كانت من غير مدلس ، وقد قدمنا إيضاح هذا في الفصول وفي مواضع كثيرة بعدها . والله أعلم .

                                                                                                                وفيه : ( محمد بن أبي بكر المقدمي ) هو بفتح الدال المشددة منسوب إلى جده . مقدم ، وقد تقدم بيانه مرات . وفيه ( أبو المتوكل عن أبي سعيد ) هو أبو المتوكل الناجي واسمه علي بن داود وقيل : ابن دؤاد بضم الدال منسوب إلى بني ناجية قبيلة معروفة ، . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية