الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 377 ] باب زكاة العروض

                                                                                                                          تجب الزكاة في عروض التجارة إذا بلغت قيمتها نصابا ، ويؤخذ منها لا من العروض ، ولا تصير للتجارة إلا أن يملكها بفعله بنية التجارة بها ، فإن ملكها بإرث ، أو ملكها بفعله بغير نية ، ثم نوى التجارة لم تصر للتجارة ، وإن كان عنده عرض للتجارة فنواه للقنية ثم نواه للتجارة لم يصر للتجارة ، وعنه : أن العروض يصير للتجارة بمجرد النية .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          باب زكاة العروض

                                                                                                                          هي جمع عرض بإسكان الراء ؛ وهو ما عدا الأثمان ، والحيوان ، والنبات ، وبفتحها فهو كثرة المال ، والمتاع ، وسمي عرضا ؛ لأنه يعرض ثم يزول ويفنى ، وقيل : لأنه يعرض ليباع ويشترى تسمية للمفعول باسم المصدر ، كتسمية المعلوم علما ، وفي اصطلاح المتكلمين : هو الذي لا يبقى زمانين ، وبوب عليه في " المحرر " ، و " الفروع " تبعا للخرقي بزكاة التجارة ؛ وهي أشمل لدخول الإيجار في النقدين ، وعدل المؤلف عنه ؛ لأنه ترجم في أول كتاب الزكاة والعروض ( تجب الزكاة في عروض التجارة ) لقوله تعالى : والذين في أموالهم حق معلوم [ المعارج : 24 ] ، و خذ من أموالهم صدقة [ التوبة : 103 ] ومال التجارة أعم الأموال ، فكانت أولى بالدخول ، واحتج الأصحاب بما روى جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب حدثني خبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه قال : أما بعد : " فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمرنا أن نخرج الصدقة مما نعده للبيع " رواه أبو داود . قال ابن حزم : جعفر وحبيب مجهولان ، وقال الحافظ عبد الغني : إسناده مقارب ، وعن أبي ذر مرفوعا : " وفي البز صدقته " رواه أحمد ، ورواه الحاكم من طريقين ، وصحح إسنادهما ، وقال : إنه على شرط الشيخين ، واحتج أحمد بقول عمر : قومها ثم أد زكاتها . وقال المجد : هو إجماع متقدم ، وذكر الشافعي في القديم أن الناس اختلفوا في ذلك فقال بعضهم : لا زكاة ، وقال بعضهم : يجب ، قال : وهو أحب إلينا ، ومن أصحابه من أثبت له قولا في القديم : [ ص: 378 ] لا يجب ، وحكاه أحمد عن مالك ، واحتج بقوله - عليه السلام - : " عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق " ، ولأن الأصل عدم الوجوب ، والأول قول الجماهير ، وادعاه ابن المنذر إجماع أهل العلم ، ولأنه مال نام ، فوجبت فيه الزكاة كالسائمة ، وخبرهم المراد به زكاة العين لا القيمة على أن خبرنا خاص ؛ وهو متقدم على خبرهم العام ( إذا بلغت قيمتها نصابا ) وحال عليها الحول ؛ لأنه مال نام ، فاعتبر له ما ذكرنا ، كالماشية ، فعلى هذا لو نقصت قيمة النصاب في بعض الحول ثم زادت القيمة فبلغته ابتدئ حينئذ ، كسائر أموال الزكاة ( ويؤخذ منها ) أي : من القيمة ؛ لأنها محل الوجوب كالدين ، ربع العشر ، وما زاد فبحسابه لتعلقها بالقيمة ( لا من العروض ) إلا أن يقول بإخراج القيمة ، فيجوز بقدرها وقت الإخراج ، وتتكرر الزكاة لكل حول ، نص عليه ( ولا تصير ) العروض ( للتجارة إلا ) بشرطين أحدهما ( أن يملكه بفعله ) سواء كان بعوض كالبيع والنكاح أو لا ، كالهبة والغنيمة ، هذا هو الأشهر ، وأنه لا تعتبر المعاوضة ؛ لظاهر خبر سمرة ، ولأنه ملكها بفعله ، واختار في " المجرد " أنه يعتبر المعاوضة محضة كبيع وإجارة أو لا ، كنكاح ، وخلع ، وصلح عن دم عمد . قال المجد : وهو نصه في رواية ابن منصور ؛ لأن الغنيمة والهبة ليستا من جهات التجارة كالموروث ، وعنه : يعتبر كون العوض نقدا ، ذكره أبو المعالي ، لاعتبار النصاب بهما ، فيعتبر أصل وجودهما . الثاني : ونبه عليه بقوله ( بنية التجارة بها ) عند التملك ؛ لأن الأعمال بالنية ، والتجارة عمله ، فوجب اقتران النية به كسائر الأعمال ؛ ولأنها مخلوقة في الأصل للاستعمال ، فلا يضر للتجارة إلا بنيتها ، كعكسه ، وتعتبر [ ص: 379 ] النية في كل الحول ؛ لأنه شرط أمكن اعتباره في جميعه ، فوجب كالنصاب ( فإن ملكها بإرث ) ولو نواها ( وملكها بفعله بغير نية ، ثم نوى التجارة لم تصر للتجارة ) اختاره الخرقي ، والقاضي ، وأكثر الأصحاب ؛ لأن ما لا يتعلق به الزكاة من أصله لا يصير محلا بمجرد النية ، كالمعلوفة إذا نوى فيها إسامتها ؛ ولأن مجرد النية لا ينقل عن الأصل ؛ إذ الأصل فيها النية ( وإن كان عنده عرض للتجارة فنواه للقنية ، ثم نواه للتجارة ، لم يصر للتجارة ) هذا ظاهر " المذهب " ، وفي " الشرح " أنه لا يختلف المذهب فيه ؛ لأن القنية هي الأصل ، فيكفي في الرد إليه مجرد النية ، كما لو نوى بالحلي التجارة ، والمسافر الإقامة ؛ ولأن نية التجارة شرط للوجوب فيها ، وإذا نوى القنية زالت نية التجارة ، ففات شرط الوجوب ، بخلاف السائمة إذا نوى علفها ، فإن الشرط الإسامة دون نيتها ( وعنه : إن العروض تصير للتجارة بمجرد النية ) نقلها صالح وغيره ، واختارها أبو بكر ، وابن عقيل ، وجزم بها في " التبصرة " " والروضة " لعموم حديث سمرة ؛ ولأن نية القنية كافية بمجردها ، فكذا شبه التجارة ، بل أولى ؛ إذ الإيجاب يغلب على الإسقاط احتياطا ، والفرق ظاهر ، فعلى الأول لا شيء فيها حتى تباع ، ويستقبل بثمنها حولا .

                                                                                                                          فرع : إذا كان عنده ماشية للتجارة نصف حول ، فنوى بها الإسامة ، وقطع نية التجارة ، انقطع حولها ، واستأنف حول السائمة ؛ لأن حول التجارة انقطع بنية الاقتناء ، وحول السائمة لا ينبني على حول التجارة ، قال المؤلف : والأشبه بالدليل أنها متى كانت سائمة في أول الحول وجبت الزكاة فيها عند تمامه ، [ ص: 380 ] وروي عن إسحاق .




                                                                                                                          الخدمات العلمية