الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن المشركين يوم القيامة إذا رأوا معبوداتهم التي كانوا يشركونها بالله في عبادته قالوا لربهم : " ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك " [ 16 \ 86 ] وأن معبوداتهم تكذبهم في ذلك ، فيقولون لهم : كذبتم ! ما " كنتم إيانا تعبدون " [ 10 \ 28 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة ; كقوله : ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين [ 46 \ 5 - 6 ] ، وقوله : واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا [ 19 \ 81 - 82 ] ، وقوله : ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين [ 29 \ 25 ] ، وقوله : وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم [ 28 \ 64 ] ، وقوله : فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون [ 10 \ 28 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      فإن قيل : كيف كذبتهم آلهتهم ونفوا أنهم عبدوهم ، مع أن الواقع خلاف ما قالوا ، وأنهم كانوا يعبدونهم في دار الدنيا من دون الله ! فالجواب : أن تكذيبهم لهم منصب على زعمهم أنهم آلهة ، وأن عبادتهم حق ، وأنها تقربهم إلى الله زلفى . ولا شك أن كل ذلك من أعظم الكذب وأشنع الافتراء . ولذلك هم صادقون فيما ألقوا إليهم من القول ، ونطقوا فيه بأنهم كاذبون . ومراد الكفار بقولهم لربهم : " هؤلاء شركاؤنا " ، قيل ليحملوا شركاءهم تبعة ذنبهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : ليكونوا [ ص: 425 ] شركاءهم في العذاب ، كما قال تعالى : ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار [ 7 \ 38 ] ، وقد نص تعالى على أنهم وما يعبدونه من دون الله في النار جميعا في قوله : إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم . . . الآية [ 21 \ 98 ] ، وأخرج من ذلك الملائكة وعيسى وعزيرا بقوله : إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون . . . الآية [ 21 \ 101 ] ; لأنهم ما عبدوهم برضاهم . بل لو أطاعوهم لأخلصوا العبادة لله وحده - جل وعلا - .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية