الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          تنبيهات

                                                          ( أولها ) أن المراد بالقطع المذكور هو الوقف كما نص عليه الشاطبي وغيره من الأئمة ، قال الداني في جامعه : واختياري في مذهب من فصل أن يقف القارئ على آخر السورة ويقطع على ذلك ، ثم يبتدئ بالتسمية موصولة بأول السورة الأخرى . انتهى ، وذلك أوضح . وإنما نبهت عليه ; لأن الجعبري - رحمه الله - ظن أنه السكت المعروف ، فقال في قول الشاطبي : " فلا تقفن " ، ولو قال : فلا تسكتن لكان أسد . وذلك وهم لم يتقدمه أحد إليه ، وكأنه أخذه من كلام السخاوي حيث قال : فإذا لم يصلها بآخر سورة جاز أن يسكت عليها ، فلم يتأمله ، ولو تأمله لعلم أن مراده بالسكت الوقف ، فإنه قال في أول الكلام : اختار الأئمة لمن يفصل بالتسمية أن يقف القارئ على أواخر السور ، ثم يبتدئ بالتسمية .

                                                          [ ص: 268 ] ( ثانيها ) تجوز الأوجه الأربعة في البسملة مع الاستعاذة من الوصل بالاستعاذة والآية ، ومن قطعها عن الاستعاذة والآية ، ومن قطعها عن الاستعاذة ووصلها بالآية ، ومن عكسه كما تقدم الإشارة إلى ذلك في الاستعاذة ، وإلى قول ابن شيطا في الفصل الخامس قريبا في قطعه بوصل الجميع ، وهو ظاهر كلام سبط الخياط ، وقال ابن الباذش : إن الوقف على الجميع أشبه بمذهب أهل الترتيل .

                                                          ( ثالثها ) إن هذه الأوجه ونحوها الواردة على سبيل التخيير ، إنما المقصود بها معرفة جواز القراءة بكل منها على وجه الإباحة لا على وجه ذكر الخلف ، فبأي وجه قرئ منها جاز ، ولا احتياج إلى الجمع بينها في موضع واحد إذا قصد استيعاب الأوجه حالة الجمع والإفراد . وكذلك سبيل ما جرى مجرى ذلك من الوقف بالسكون وبالروم والإشمام ، وكالأوجه الثلاثة في التقاء الساكنين وقفا إذا كان أحدهما حرف مد أو لين ، وكذلك كان بعض المحققين لا يأخذ منها إلا بالأصح الأقوى ، ويجعل الباقي مأذونا فيه ، وبعض لا يلتزم شيئا ، بل يترك القارئ يقرأ ما شاء منها ، إذ كل ذلك جائز مأذون فيه منصوص عليه ، وكان بعض مشايخنا يرى أن يجمع بين هذه الأوجه على وجه آخر ، فيقرأ بواحد منها في موضع وبآخر في غيره ؛ ليجمع الجميع المشافهة ، وبعض أصحابنا يرى الجمع بينها وبين أول موضع وردت ، أو في موضع ما على وجه الإعلام والتعليم وشمول الرواية ، أما من يأخذ بجميع ذلك في كل موضع فلا يعتمده إلا متكلف غير عارف بحقيقة أوجه الخلاف ، وإنما ساغ الجمع بين الأوجه في نحو التسهيل في وقف حمزة لتدريب القارئ المبتدئ ورياضته على الأوجه الغريبة ليجري لسانه ويعتاد التلفظ بها بلا كلفة ، فيكون على سبيل التعليم ; فلذلك لا يكلف العارف بجمعها في كل موضع ، بل هو بحسب ما تقدم ، ولقد بلغني عن جلة مشيخة الأندلس - حماها الله - أنهم لا يأخذون [ ص: 269 ] في وجهي الإسكان والصلة من ميم الجمع لقالون إلا بوجه واحد معتمدين ظاهر قولي الشاطبي وقالون بتخييره جلا ، وسيأتي ذلك .

                                                          ( رابعها ) يجوز بين الأنفال وبراءة إذا لم يقطع على آخر الأنفال كل من الوصل والسكت والوقف لجميع القراء . أما الوصل لهم فظاهر ; لأنه كان جائزا مع وجود البسملة ، فجوازه مع عدمها أولى عن الفاصلين والواصلين ، وهو اختيار أبي الحسن بن غلبون في قراءة من لم يفصل ، وهو في قراءة من يصل أظهر ، وأما السكت فلا إشكال فيه عن أصحاب السكت ، وأما عن غيرهم من الفاصلين والواصلين فمن نص عليه لهم ولسائر القراء أبو محمد مكي في تبصرته ، فقال : وأجمعوا على ترك الفصل بين الأنفال وبراءة لإجماع المصاحف على ترك التسمية بينهما . فأما السكت بينهما فقد قرأت به لجماعتهم ، وليس هو منصوصا ، وحكى أبو علي البغدادي في روضته ، عن أبي الحسن الحمامي أنه كان يأخذ بسكتة بينهما لحمزة وحده . فقال : وكان حمزة وخلف والأعمش يصلون السورة إلا ما ذكره الحمامي ، عن حمزة أنه سكت بين الأنفال والتوبة ، وعليه أعول . انتهى ، وإذا أخذ بالسكت عن حمزة فالأخذ عن غيره أحرى . قال الأستاذ المحقق أبو عبد الله بن القصاع في كتابه " الاستبصار في القراءات العشر " : واختلف في وصل الأنفال بالتوبة فبعضهم يرى وصلهما ، ويتبين الإعراب وبعضهم يرى السكت بينهما . انتهى .

                                                          ( قلت ) : وإذا قرئ بالسكت على ما تقدم فلا يتأتى وجه إسرار البسملة على مذهب سبط الخياط المتقدم ، إذ لا بسملة بينهما يسكت بقدرها ، فاعلم ذلك . وأما الوقف فهو الأقيس ، وهو الأشبه بمذهب أهل الترتيل ، وهو اختياري في مذهب الجميع ; لأن أواخر السور من أتم التمام . وإنما عدل عنه في مذهب من لم يفصل من أجل أنه لو وقف على آخر السور للزمت البسملة أوائل السور ، ومن أجل الابتداء . وإن لم يؤت بها خولف الرسم في الحالتين كما تقدم ، واللازم هنا منتف والمقتضى للوقف قائم ، فمن ثم اخترنا الوقف ، ولا نمنع غيره ، والله أعلم .

                                                          [ ص: 270 ] ( خامسها ) ما ذكر من الخلاف بين السورتين هو عام بين كل سورتين سواء كانتا مرتبتين ، أو غير مرتبتين ، فلو وصل آخر الفاتحة مبتدئا بآل عمران ، أو آخر آل عمران بالأنعام - جازت البسملة وعدمها على ما تقدم ، ولو وصلت التوبة بآخر سورة سوى الأنفال فالحكم كما لو وصلت بالأنفال ، أما لو وصلت السورة بأولها كأن كررت مثلا كما تكرر سورة الإخلاص فلم أجد فيه نصا ، والذي يظهر البسملة قطعا ؛ فإن السورة والحالة هذه مبتدئة كما لو وصلت الناس بالفاتحة ، ومقتضى ما ذكره الجعبري عموم الحكم ، وفيه نظر ، إلا أن يريد في مذهب الفقهاء عند من يعدها آية ، وهذا الذي ذكرناه على مذاهب القراء . وكذلك يجوز إجراء أحوال الوصل في آخر السورة الموصل طرفاها من إعراب وتنوين ، والله تعالى أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية