الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 339 ] باب زكاة الخارج من الأرض

                                                                                                                          تجب الزكاة في الحبوب كلها وفي كل ثمر يكال ويدخر ، كالتمر والزبيب واللوز والفستق والبندق ، ولا تجب في سائر الثمر ، ولا في الخضر والبقول والزهر ، وعنه : أنها تجب في الزيتون والقطن والزعفران إذا بلغا بالوزن نصابا ، وقال ابن حامد : لا زكاة في حب البقول كحب الرشاد والأبازير كالكسفرة والكمون ، وبذر القثاء ، والخيار ، ونحوه .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          باب زكاة الخارج من الأرض

                                                                                                                          والأصل في وجوبها قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض [ البقرة : 267 ] والزكاة تسمى نفقة ؛ لقوله تعالى : والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله [ التوبة : 34 ] وقوله تعالى : وآتوا حقه يوم حصاده [ الأنعام : 141 ] . قال ابن عباس : حقه الزكاة ، مرة العشر ومرة نصف العشر ، والسنة مستفيضة بذلك ، وأجمعوا على وجوبها في الحنطة والشعير والتمر والزبيب . حكاه ابن المنذر ( تجب الزكاة في الحبوب كلها ، سواء كان قوتا كالحنطة والشعير والأرز والدخن ، أو من القطنيات كالباقلاء والعدس والحمص ، أو من الأبازير كالكسفرة والكمون ، وكبزر الكتان والقثاء والخيار ، وحب البقول كحب الرشاد ، والفجل ، والقرطم ؛ لعموم النص السابق ، ولقوله - عليه السلام - : " فيما سقت السماء والعيون العشر " رواه البخاري ( وفي كل ثمر يكال ويدخر ) نقله أبو طالب ؛ لقوله - عليه السلام - : " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " متفق عليه . فدل على أن ما لا يدخله التوسيق ليس مرادا من عموم الآية والخبر ، وإلا لكان ذكر الأوسق لغوا ؛ ولأن غير المدخر لا تكمل فيه النعمة لعدم النفع فيه مآلا ( كالثمر والزبيب واللوز ) نص عليه ، وعلله بأنه مكيل ( والفستق والبندق ) والسماق . نقل صالح ، وعبد الله ، وأن يكال ويدخر ، ويقع فيه القفيز ، ففيه العشر ، وما كان مثل البصل ، والرياحين ، والرمان ، فليس فيه زكاة ، إلا أن يباع [ ص: 340 ] ويحول على ثمنه حول . اختاره جماعة ، وجزم به آخرون ، ( ولا تجب في سائر الثمر ) كالجوز ، نص عليه ، وعلل بأنه معدود ، والخوخ ، والآجاص ، والكمثرى ، والمشمش ، والتين ، والتوت ، ونحوه ؛ لأنها ليست مكيلة ، وقد روي أن عامل عمر كتب إليه في كروم فيها من الفرسك والرمان ما هو أكثر غلة من الكروم أضعافا ، فكتب إليه عمر : ليس فيها عشر ، هي من العضاه . رواه الأثرم ، وكذا العناب ، وجزم في " الأحكام السلطانية " و " المستوعب " و " الكافي " بالزكاة فيه ، قال في " الفروع " : وهذا أظهر ، والتين ، والمشمش ، والتوت مثله ، واختاره شيخنا في التين ؛ لأنه يدخر كالتمر ( ولا في الخضر ) كالقثاء والباذنجان واللفت ، لما روى الدارقطني بإسناده عن علي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ليس في الخضراوات صدقة " وعن عائشة نحوه ، ( والبقول والزهر ) ؛ لأنه غير مكيل مدخر ، ونحوهما الورق وطلع الفحال ، والسعف والخوص ، والحطب والخشب ، وأغصان الخلاف ، والحشيش والقصب مطلقا ، ولبن الماشية وصوفها ، وكذا الحرير ودود القز ( وعنه : أنها تجب في الزيتون ) اختاره القاضي ، والمجد ؛ لقوله تعالى : ( والزيتون ) [ الأنعام : 99 ] الآية ؛ ولأنه حب مكيل ينتفع بدهنه الخارج منه ، أشبه السمسم والكتان ، فيزكى إذا بلغ خمسة أوسق كيلا ، نص عليه ، ويخرج منه ، وإن صفاه ، وأخرج عصير زيته فهو أفضل ؛ لأنه المقصود منه ، والثانية ، واختارها الخرقي وأبو بكر والمؤلف : عدم الوجوب ؛ لأن الادخار شرط ، ولم تجر العادة به ، فلم يجب ، والآية بمكة نزلت قبل وجوب الزكاة ، فلا تكون مرادة ، بدليل أنها لا تجب في الرمان ( والقطن [ ص: 341 ] والزغفران ) ؛ لأن ذلك موزون مدخر تام المنفعة والوزن ، أقيم مقام الكيل لاتفاقهما في عموم المنفعة ( إذا بلغا بالوزن نصابا ) وهو ألف وستمائة رطل عراقية ؛ لأنه لما تعذر اعتباره بالكيل رجع فيه إلى الوزن ، ذكره القاضي في " المجرد " ( وعنه : أن نصاب ذلك ما يبلغ قيمته قيمة نصاب من أدنى العشرات ، والثانية : لا يجب فيهما ؛ وهو اختيار الأكثر لعدم الكيل فيهما ، وقيام الوزن مقام الكيل لم يرد به نص ، ولا يصح قياسه على الكيل ؛ لأن العلة غير معقولة فيه ، وقال ابن عقيل : لم أجد فيهما نصا عن أحمد ، غير أن القاضي حكى عنه روايتين ، فإذا لم يجب في القطن وجب في حبه ، جزم به جماعة ، وقدم ابن تميم عدم الوجوب ، والكتان مثله ، وذكره القاضي ، وكذا العنب ، واختار المجد أنه لا يجب في الزعفران ، ويخرج عليه العصفر والورس والنيل ، قال الحلواني : والفوة ، وفي الحناء الخلاف ( وقال ابن حامد : لا زكاة في حب البقول كحب الرشاد ، والأبازير كالكسفرة والكمون ، وبزر القثاء والخيار ونحوه ) كبزر الرياحين ، لأنها ليست بقوت ولا أدم ، ويدخل في هذا بزر اليقطين ، وذكره في " المستوعب " من المقتات ، ويخرج الصعتر والأشنان على الخلاف ، وجزم أبو الخطاب والمجد بالوجوب ؛ لأنه نبات مكيل مدخر ، وماله ورق مقصود كورق السدر والخطمي والآس على الخلاف ، والأشهر الوجوب ، وحكى ابن المنذر عن أحمد : لا زكاة إلا في التمر ، والزبيب ، والبر ، والشعير ، قدمه ابن رزين في مختصره ، يروى عن ابن عمر ، وأبي موسى ، وقاله جمع من التابعين .




                                                                                                                          الخدمات العلمية