الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب جواز الصلوات كلها بوضوء واحد

                                                                                                                277 حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد ح وحدثني محمد بن حاتم واللفظ له حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان قال حدثني علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد ومسح على خفيه فقال له عمر لقد صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه قال عمدا صنعته يا عمر [ ص: 515 ]

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                [ ص: 515 ] ( باب جواز الصلوات كلها بوضوء واحد

                                                                                                                فيه بريدة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد ومسح على خفيه فقال له عمر - رضي الله عنه - : لقد صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه ، قال : عمدا صنعته يا عمر ) في هذا الحديث أنواع من العلم منها : جواز المسح على الخف ، وجواز الصلوات المفروضات والنوافل بوضوء واحد ما لم يحدث ، وهذا جائز بإجماع من يعتد به ، وحكى أبو جعفر الطحاوي وأبو الحسن بن بطال في شرح صحيح البخاري عن طائفة من العلماء أنهم قالوا : يجب الوضوء لكل صلاة وإن كان متطهرا ، واحتجوا بقول الله تعالى : إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الآية وما أظن هذا المذهب يصح عن أحد ، ولعلهم أرادوا استحباب تجديد الوضوء عند كل صلاة ودليل الجمهور الأحاديث الصحيحة منها هذا الحديث ، وحديث أنس في صحيح البخاري : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ عند كل صلاة وكان أحدنا يكفيه الوضوء ما لم يحدث ) وحديث سويد بن النعمان في صحيح البخاري أيضا : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى العصر ثم أكل سويقا ، ثم صلى المغرب ولم يتوضأ ) وفي معناه أحاديث كثيرة كحديث الجمع بين الصلاتين بعرفة والمزدلفة وسائر الأسفار والجمع بين الصلوات الفائتات يوم الخندق وغير ذلك ، وأما الآية الكريمة فالمراد بها - والله أعلم - إذا قمتم محدثين ، وقيل إنها منسوخة بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا القول ضعيف . والله أعلم .

                                                                                                                قال أصحابنا : ويستحب تجديد الوضوء ، وهو أن يكون على طهارة ثم يتطهر ثانيا من غير حدث ، وفي شرط استحباب التجديد أوجه أحدها : أنه يستحب لمن صلى به صلاة سواء كانت فريضة أو نافلة . والثاني : لا يستحب إلا لمن صلى فريضة . والثالث : يستحب لمن فعل به ما لا يجوز إلا بطهارة كمس المصحف وسجود التلاوة ، والرابع يستحب وإن لم يفعل به شيئا أصلا بشرط أن يتخلل بين التجديد والوضوء زمن يقع بمثله تفريق ، ولا يستحب تجديد الغسل على المذهب الصحيح المشهور . وحكى إمام الحرمين وجها : أنه يستحب . وفي استحباب تجديد التيمم وجهان : أشهرهما : لا يستحب وصورته في الجريح والمريض ونحوهما ممن يتيمم مع وجود الماء ، ويتصور في غيره إذا قلنا لا يجب الطلب لمن تيمم ثانيا في موضعه . والله أعلم .

                                                                                                                وأما قول عمر - رضي الله عنه - : صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه ؟ ففيه تصريح بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يواظب على الوضوء لكل صلاة عملا بالأفضل ، وصلى الصلوات في هذا اليوم بوضوء واحد بيانا للجواز كما قال - صلى الله عليه وسلم - : ( عمدا صنعته يا عمر ) . وفي هذا الحديث : جواز سؤال المفضول الفاضل عن بعض أعماله التي في ظاهرها مخالفة للعادة ، لأنها قد تكون عن نسيان فيرجع عنها ، وقد تكون تعمدا لمعنى خفي على [ ص: 516 ] المفضول فيستفيده . والله أعلم .

                                                                                                                وأما إسناد الباب ففيه ( ابن نمير قال حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد ) ، وفي الطريق الآخر ( يحيى بن سعيد عن سفيان قال حدثني علقمة بن مرثد ) ، إنما فعل مسلم - رحمه الله تعالى - هذا وأعاد ذكر سفيان وعلقمة لفوائد منها : أن سفيان - رحمه الله تعالى - من المدلسين ، وقال في الرواية الأولى : عن علقمة ، والمدلس لا يحتج بعنعنته بالاتفاق إلا إن ثبت سماعه من طريق آخر ، فذكر مسلم الطريق الثاني المصرح بسماع سفيان من علقمة فقال : حدثني علقمة ، والفائدة الأخرى : أن ابن نمير قال : حدثنا سفيان ، ويحيى بن سعيد قال : ( عن سفيان ) فلم يستجز مسلم - رحمه الله تعالى - الرواية عن الاثنين بصيغة أحدهما فإن ( حدثنا ) متفق على حمله على الاتصال و ( عن ) مختلف فيه كما قدمناه في شرح المقدمة .




                                                                                                                الخدمات العلمية