الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 489 ] سورة الأنعام

                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون

                                                                                                                                                                                                                                      1 - الحمد لله تعليم اللفظ والمعنى مع تعريض الاستغناء، أي: الحمد له وإن لم تحمدوه الذي خلق السماوات والأرض جمع السموات; لأنها طباق بعضها فوق بعض، والأرض وإن كانت سبعة عند الجمهور، فليس بعضها فوق بعض، بل بعضها موال لبعض. جعل يتعدى إلى مفعول واحد إذا كان بمعنى أحدث وأنشأ، كقوله: وجعل الظلمات والنور وإلى مفعولين إن كان بمعنى صير، كقوله: وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا [الزخرف: 19]. وفيه رد قول الثنوية بقدم النور والظلمة، وأفرد النور لإرادة الجنس، ولأن ظلمة كل شيء تختلف باختلاف ذلك الشيء، نظيره: ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة الموضع المظلم، يخالف كل واحد منها صاحبه. والنور: ضرب واحد، لا يختلف كما تختلف الظلمات. وقدم الظلمات لقوله عليه الصلاة والسلام: "خلق الله خلقه في ظلمة، ثم رش عليهم من نوره، فمن أصابه ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل". ثم الذين كفروا بعد هذا البيان بربهم يعدلون يساوون به الأوثان، تقول: عدلت هذا بذا، أي: ساويته به. والباء في "بربهم" صلة للعدل، لا للكفر. أو ثم الذين كفروا بربهم [ ص: 490 ] يعدلون عنه، أي: يعرضون عنه، فتكون الباء صلة للكفر، وصلة "يعدلون" أي: عنه: محذوفة. وعطف ثم الذين كفروا على " الحمد لله " على معنى: أن الله حقيق بالحمد على ما خلق; لأنه ما خلقه إلا نعمة، ثم الذين كفروا به يعدلون، فيكفرون نعمته. أو على " خلق السماوات " على معنى: أنه خلق ما خلق مما لا يقدر عليه أحد سواه، ثم هم يعدلون به ما لا يقدر على شيء منه، ومعنى "ثم" استبعاد أن يعدلوا به بعد وضوح آيات قدرته.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية