الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 82 ] في تصرف الآحاد في الأموال العامة عند جور الأئمة

لا يتصرف في أموال المصالح العامة إلا الأئمة ونوابهم ، فإذا تعذر قيامهم بذلك ، وأمكن القيام بها ممن يصلح لذلك من الآحاد بأن وجد شيئا من مال المصالح ، فليصرف إلى مستحقيه على الوجه الذي يجب على الإمام العدل أن يصرفه فيه ، بأن يقدم الأهم فالأهم ، والأصلح فالأصلح ، فيصرف كل مال خاص في جهاته أهمها فأهمها ، ويصرف ما وجده من أموال المصالح العامة في مصارفها أصلحها فأصلحها ، لأنا لو منعنا ذلك لفاتت مصالح صرف تلك الأموال إلى مستحقيها ، ولأثم أئمة الجور بذلك وضمنوه ، فكان تحصيل هذه المصالح ودرء هذه المفاسد أولى من تعطيلها . وإن وجد أموالا مغصوبة ، فإن عرف مالكيها فليردها عليهم ، وإن لم يعرفها فإن تعذرت معرفتهم بحيث يئس من معرفتهم صرفها في المصالح العامة أولاها فأولاها ، وإنما قلنا ذلك لأن الله قال : { وتعاونوا على البر والتقوى } ، وهذا بر وتقوى . وقال صلى الله عليه وسلم : { والله في عون العبد ما كان في عون أخيه } ، وقال صلى الله عليه وسلم : { كل معروف صدقة } ، فإذا جوز رسول الله صلى الله عليه وسلم لهند أن تأخذ من مال زوجها أبي سفيان ما يكفيها وولدها بالمعروف ، مع كون المصلحة خاصة ، فلأن يجوز ذلك في المصالح العامة أولى ، ولا سيما غلبة الظلمة للحقوق .

ولا شك أن القيام بهذه المصالح أتم من ترك هذه الأموال بأيدي الظلمة يأكلونها بغير حقها ، ويصرفونها إلى غير مستحقها . ويحتمل أن يجب ذلك على من ظفر به كمن وجد اللقطة في مضيعة ، وإذا جوز الشرع لمن جحد حقه أن يأخذ من مال جاحده إذا ظفر به إن كان من جنسه ، وأن يأخذه ويبيعه إن كان من غير جنسه ، مع أن هذه مصلحة خاصة فجواز ما ذكرناه مع عمومه أولى . [ ص: 83 ]

وقد خير بعض أصحاب الشافعي واجد ذلك بين أن يصرفه في مصارفه ، وبين أن يحفظه إلى أن يلي المسلمين من هو أهل يصرف ذلك في مصارفه ، وينبغي أن يتقيد بما ذكره بعض الأصحاب بوقت يتوقع فيه ظهور إمام عدل .

وأما في مثل هذا الزمان المأيوس فيه من ذلك فيتعين على واجده أن يصرفه على الفور في مصارفه ، لما في إبقائه من التغرير به وحرمان مستحقيه من تعجيل أخذه ، ولا سيما إن كانت الحاجة ماسة إليه بحيث يجب على الإمام تعجيلها .

التالي السابق


الخدمات العلمية