الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                    ( واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه ياقوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون ( 71 ) فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين ( 72 ) فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ( 73 ) )

                                                                                                                                                                                                    يقول تعالى لنبيه ، صلوات الله وسلامه عليه : ( واتل عليهم ) أي : أخبرهم واقصص عليهم ، أي : على كفار مكة الذين يكذبونك ويخالفونك ( نبأ نوح ) أي : خبره مع قومه الذين كذبوه ، كيف أهلكهم الله ودمرهم بالغرق أجمعين عن آخرهم ، ليحذر هؤلاء أن يصيبهم من الهلاك والدمار ما أصاب أولئك . ( إذ قال لقومه ياقوم إن كان كبر عليكم ) أي : عظم عليكم ، ( مقامي ) أي فيكم بين أظهركم ، ( وتذكيري ) إياكم ( بآيات الله ) أي : بحججه وبراهينه ، ( فعلى الله توكلت ) أي : فإني لا أبالي ولا أكف عنكم سواء عظم عليكم أو لا ! ( فأجمعوا أمركم وشركاءكم ) أي : فاجتمعوا أنتم وشركاؤكم الذين تدعون من دون الله ، من صنم ووثن ، ( ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ) أي : ولا تجعلوا أمركم عليكم ملتبسا ، بل افصلوا حالكم معي ، فإن كنتم تزعمون أنكم محقون ، فاقضوا إلي ولا تنظرون ، أي : ولا تؤخروني ساعة واحدة ، أي : مهما قدرتم فافعلوا ، فإني لا أباليكم ولا أخاف منكم ، لأنكم لستم على شيء ، كما قال هود لقومه : ( إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ) [ هود : 54 - 56 ] .

                                                                                                                                                                                                    ( فإن توليتم ) أي : كذبتم وأدبرتم عن الطاعة ، ( فما سألتكم من أجر ) أي : لم أطلب منكم على نصحي إياكم شيئا ، ( إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين ) أي : وأنا ممتثل ما أمرت به [ ص: 284 ] من الإسلام لله عز وجل ، والإسلام هو دين [ جميع ] الأنبياء من أولهم إلى آخرهم ، وإن تنوعت شرائعهم وتعددت مناهلهم ، كما قال تعالى : ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) [ المائدة : 48 ] . قال ابن عباس : سبيلا وسنة . فهذا نوح يقول : ( وأمرت أن أكون من المسلمين ) [ النمل : 91 ] ، وقال تعالى عن إبراهيم الخليل : ( إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يابني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) [ البقرة : 131 ، 132 ] ، وقال يوسف : ( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين ) [ يوسف : 101 ] . وقال موسى ( ياقوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين ) [ يونس : 84 ] . وقالت السحرة : ( ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين ) [ الأعراف : 126 ] . وقالت بلقيس : ( رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ) [ النمل : 44 ] . وقال [ الله ] تعالى : ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا ) [ المائدة : 44 ] ، وقال تعالى : ( وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون ) [ المائدة : 111 ] وقال خاتم الرسل وسيد البشر : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) [ الأنعام : 162 ، 163 ] أي : من هذه الأمة ؛ ولهذا قال في الحديث الثابت عنه : " نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ، ديننا واحد " أي : وهو عبادة الله وحده لا شريك له ، وإن تنوعت شرائعنا ، وذلك معنى قوله : " أولاد علات " ، وهم : الإخوة من أمهات شتى والأب واحد .

                                                                                                                                                                                                    وقوله تعالى : ( فكذبوه فنجيناه ومن معه ) أي : على دينه ( في الفلك ) وهي : السفينة ، ( وجعلناهم خلائف ) أي : في الأرض ، ( وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ) أي : يا محمد كيف أنجينا المؤمنين ، وأهلكنا المكذبين .

                                                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية