الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط .

                                                                                                                                                                                                                                      أشار في هذه الآية الكريمة إلى أن المراد بهؤلاء القوم المجرمين قوم لوط الذين أرسل إليهم فكذبوه ، ووجه إشارته تعالى لذلك استثناء لوط وأهله غير امرأته في قوله : إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته الآية [ 15 \ 59 - 60 ] وصرح بأنهم قوم لوط بقوله في هود في القصة بعينها : قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط الآية [ 11 \ 70 ] وصرح في الذاريات بأنهم أرسلوا إلى هؤلاء القوم المجرمين ليرسلوا عليهم حجارة من طين في قوله : قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين لنرسل عليهم حجارة من طين [ 51 \ 32 - 33 ] وصرح في العنكبوت أنهم قالوا إنهم مهلكوهم بسبب ظلمهم ، ومنزلون عليهم [ ص: 284 ] رجزا من السماء بسبب فسقهم وذلك في قوله تعالى : ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها الآية [ 29 \ 31 - 32 ] ، وقوله : وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون [ 29 \ 33 - 34 ] وقوله : إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين [ 15 \ 59 ] بين في هذه الآية الكريمة أنه استثنى آل لوط من ذلك العذاب النازل بقومه ، وأوضح هذا المعنى في آيات أخر كما تقدم في هود في قوله : قالوا يالوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك الآية [ 11 \ 81 ] وقوله في العنكبوت : وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك الآية [ 29 \ 33 ] وقوله فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين [ 7 \ 83 ] وقوله : فنجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين الآية [ 26 \ 170 - 171 ] وقوله : فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين [ 27 \ 57 ] إلى غير ذلك من الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      وما ذكر في هذه الآية الكريمة من استثناء امرأته من أهله الناجين في قوله : إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين أوضحه في هذه الآيات التي ذكرنا آنفا ونحوها من الآيات ، وبين في الذاريات أنه أنجى من كان في قوم لوط من المؤمنين ، وأنهم لم يكن فيهم من المسلمين إلا بيت واحد وهم آل لوط وذلك في قوله فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين [ 29 \ 35 - 36 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه

                                                                                                                                                                                                                                      في هذه الآية الكريمة دليل واضح لما حققه علماء الأصول من جواز الاستثناء من الاستثناء ; لأنه تعالى استثنى آل لوط من إهلاك المجرمين بقوله : إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين [ 15 \ 59 ] ثم استثنى من هذا الاستثناء امرأة لوط بقوله : إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين [ 15 \ 60 ] وبهذا تعلم أن قول ابن مالك في الخلاصة :

                                                                                                                                                                                                                                      وحكمها في القصد حكم الأول

                                                                                                                                                                                                                                      ليس صحيحا على إطلاقه . وأوضح مسألة تعدد الاستثناء بأقسامها صاحب مراقي [ ص: 285 ] السعود في مبحث المخصص المتصل بقوله :

                                                                                                                                                                                                                                      وذا تعدد بعطف حصل     بالاتفاق مسجلا للأول
                                                                                                                                                                                                                                      إلا فكل للذي به اتصل     وكلها مع التساوي قد بطل
                                                                                                                                                                                                                                      إن كان غير الأول المستغرقا     فالكل للمخرج منه حققا
                                                                                                                                                                                                                                      وحيثما استغرق الاول فقط     فألغ واعتبر بخلف في النمط



                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية