الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب الذكر المستحب عقب الوضوء

                                                                                                                234 حدثني محمد بن حاتم بن ميمون حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا معاوية بن صالح عن ربيعة يعني ابن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن عقبة بن عامر ح وحدثني أبو عثمان عن جبير بن نفير عن عقبة بن عامر قال كانت علينا رعاية الإبل فجاءت نوبتي فروحتها بعشي فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما يحدث الناس فأدركت من قوله ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة قال فقلت ما أجود هذه فإذا قائل بين يدي يقول التي قبلها أجود فنظرت فإذا عمر قال إني قد رأيتك جئت آنفا قال ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا زيد بن الحباب حدثنا معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان عن جبير بن نفير بن مالك الحضرمي عن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكر مثله غير أنه قال من توضأ فقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قال مسلم : ( حدثني محمد بن حاتم بن ميمون حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن ربيعة يعني ابن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن عقبة بن عامر قال : وحدثني أبو عثمان عن جبير بن نفير عن عقبة بن عامر ) ثم قال مسلم : ( وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا زيد بن الحباب حدثنا معاوية بن صالح عن ميمون عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس وأبي عثمان عن جبير بن نفير عن عقبة ) اعلم أن العلماء اختلفوا في القائل في الطريق الأول : وحدثني أبو عثمان ، من هو ؟ فقيل : هو معاوية بن صالح وقيل : ربيعة بن يزيد ، قال أبو علي الغساني الجياني في تقييد المهمل : الصواب أن القائل ذلك هو : معاوية بن صالح ، قال : وكتب أبو عبد الله بن الحذاء في نسخته : قال ربيعة بن يزيد : وحدثني أبو عثمان عن جبير عن عقبة قال أبو علي ، والذي أتى في النسخ المروية عن مسلم هو ما ذكرناه أولا يعني ما قدمته أنا هنا ، قال : وهو الصواب ، قال : وما أتى به ابن الحذاء وهم منه ، وهذا بين من رواية الأئمة الثقاة الحفاظ ، وهذا الحديث يرويه معاوية بن صالح بإسنادين ، أحدهما : عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس عن عقبة ، والثاني : عن أبي عثمان عن جبير بن نفير عن عقبة ، قال أبو علي : وعلى ما ذكرنا من الصواب خرجه أبو مسعود الدمشقي فصرح ، وقال : قال معاوية بن صالح وحدثني أبو عثمان عن جبير عن عقبة ، ثم ذكر أبو علي طرقا كثيرة فيها التصريح بأنه معاوية بن صالح وأطنب أبو علي في إيضاح ما صوبه ، وكذلك جاء التصريح بكون القائل هو معاوية بن صالح في سنن أبي داود ، فقال أبو داود : حدثنا أحمد بن سعيد عن ابن وهب عن معاوية بن صالح عن أبي عثمان - وأظنه سعيد بن هانئ - عن جبير بن نفير عن عقبة قال معاوية : وحدثني ربيعة عن يزيد عن أبي إدريس عن عقبة ، هذا لفظ أبي داود وهو صريح فيما قدمناه .

                                                                                                                وأما قوله في الرواية الأخرى من طريق ابن أبي شيبة ( حدثنا معاوية بن صالح عن ربيعة بن [ ص: 471 ] يزيد عن أبي إدريس وأبي عثمان عن جبير ) فهو محمول على ما تقدم ، فقوله : ( وأبي عثمان ) معطوف على ربيعة ، وتقديره : حدثنا معاوية عن ربيعة عن أبي إدريس عن جبير وحدثنا معاوية عن أبي عثمان عن جبير ، والدليل على هذا التأويل والتقدير : ما رواه أبو علي الغساني بإسناده عن عبد الله بن محمد البغوي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا زيد بن الحباب حدثنا معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن عقبة قال معاوية وأبو عثمان عن جبير بن نفير عن عقبة ، قال أبو علي : فهذا الإسناد يبين ما أشكل من رواية مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ، قال أبو علي : وقد روى عبد الله بن وهب عن معاوية بن صالح هذا الحديث أيضا فبين الإسنادين معا ومن أين مخرجهما ، فذكر ما قدمناه من رواية أبي داود عن أحمد بن سعيد عن ابن وهب ، قال أبو علي : وقد خرج أبو عيسى الترمذي في مصنفه هذا الحديث من طريق زيد بن الحباب عن شيخ له لم يقم إسناده عن زيد ، وحمل أبو عيسى في ذلك على زيد بن الحباب وزيد بريء من هذه العهدة ، والوهم في ذلك من أبي عيسى أو من شيخه الذي حدثه به ، لأنا قدمنا من رواية أئمة حفاظ عن زيد بن الحباب ما خالف ما ذكره أبو عيسى والحمد لله . وذكره أبو عيسى أيضا في كتاب العلل وسؤالاته محمد بن إسماعيل البخاري فلم يجوده وأتى فيه عنه بقول يخالف ما ذكرنا عن الأئمة ولعله لم يحفظه عنه ، وهذا حديث مختلف في إسناده وأحسن طرقه ما خرجه مسلم بن الحجاج من حديث ابن مهدي وزيد بن الحباب عن معاوية بن صالح ، قال أبو علي : وقد رواه عثمان بن أبي شيبة أخو أبي بكر عن زيد بن الحباب فزاد في إسناده رجلا ( وهو جبير بن نفير ) ذكره أبو داود في سننه في باب كراهة الوسوسة بحديث النفس في الصلاة ، فقال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا زيد بن الحباب حدثنا معاوية بن صالح عن ربيعة ابن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن جبير بن نفير عن عقبة بن عامر فذكر الحديث . هذا آخر كلام أبي علي الغساني . وقد أتقن - رحمه الله - تعالى - هذا الإسناد غاية الإتقان . والله أعلم .

                                                                                                                واسم أبي إدريس عائذ الله بالذال المعجمة ابن عبد الله . وأما ( زيد بن الحباب ) فبضم الحاء المهملة وبالباء الموحدة المكررة . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( كانت علينا رعاية الإبل فجاءت نوبتي فروحتها بعشي ) . ومعنى هذا الكلام : أنهم كانوا يتناوبون رعي إبلهم فيجتمع الجماعة ويضمون إبلهم بعضها إلى بعض فيرعاها كل يوم واحد منهم ليكون أرفق بهم وينصرف الباقون في مصالحهم ، و ( الرعاية ) بكسر الراء وهي : الرعي . وقوله ( روحتها بعشي ) أي : رددتها إلى مراحها في آخر النهار وتفرغت من أمرها ثم جئت إلى مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فيصلي ركعتين مقبل عليهما بقلبه ووجهه ) هكذا هو في الأصول ( مقبل ) أي : وهو مقبل ، وقد [ ص: 472 ] جمع - صلى الله عليه وسلم - بهاتين اللفظتين أنواع الخضوع والخشوع ; لأن الخضوع في الأعضاء والخشوع بالقلب على ما قاله جماعة من العلماء .

                                                                                                                قوله : ( ما أجود هذه ) يعني : هذه الكلمة أو الفائدة أو البشارة أو العبادة ، وجودتها من جهات منها : أنها سهلة متيسرة يقدر عليها كل أحد بلا مشقة . ومنها : أن أجرها عظيم . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( جئت آنفا ) أي قريبا ، وهو بالمد على اللغة المشهورة وبالقصر على لغة صحيحة قرئ بها في السبع .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فيبلغ أو يسبغ الوضوء ) هما بمعنى واحد أي : يتمه ويكمله فيوصله مواضعه على الوجه المسنون . والله أعلم .

                                                                                                                أما أحكام الحديث ففيه : أنه يستحب للمتوضئ أن يقول عقب وضوئه : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وهذا متفق عليه ، وينبغي أن يضم إليه ما جاء في رواية الترمذي متصلا بهذا الحديث : اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ، ويستحب أن يضم إليه ما رواه النسائي في كتابه عمل اليوم والليلة مرفوعا سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك أستغفرك وأتوب إليك . قال أصحابنا وتستحب هذه الأذكار للمغتسل أيضا . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية