الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ قدد ]

                                                          قدد : القد : القطع المستأصل والشق طولا . والانقداد : الانشقاق ، وقال ابن دريد : هو القطع المستطيل قده يقده قدا . والقد : مصدر قددت السير وغيره أقده قدا . والقد : قطع الجلد وشق الثوب ونحو ذلك ، وضربه بالسيف فقده بنصفين . وفي الحديث : أن عليا عليه السلام كان إذا اعتلى قد ، وإذا اعترض قط ، وفي رواية : كان إذا تطاول قد ، وإذا تقاصر قط ، أي : قطع طولا وقطع عرضا . واقتده وقدده كذلك وقد انقد وتقدد . والقد : الشيء المقدود بعينه .

                                                          ، والقدة : القطعة من الشيء . والقدة : الفرقة والطريقة من الناس مشتق من ذلك إذا كان هوى كل واحد على حدة . وفي التنزيل : كنا طرائق قددا . وتقدد القوم : تفرقوا قددا وتقطعوا ، قال الفراء يقول حكاية عن الجن : كنا فرقا مختلفة أهواؤنا ، وقال الزجاج في قوله : وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا ؛ قال : قددا متفرقين ، أي : كنا جماعات متفرقين مسلمين وغير مسلمين ، قال : وقوله : وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون هذا تفسير قولهم : كنا طرائق قددا ؛ وقال غيره : قددا جمع قدة مثل قطع وقطعة . وصار القوم قددا : تفرقت حالاتهم وأهواؤهم . والقديد : اللحم المقدد . والقديد : ما قطع من اللحم وشرر ، وقيل : هو ما قطع منه طوالا . وفي حديث عروة : كان يتزود قديد الظباء وهو محرم ، القديد : اللحم المملوح المجفف في الشمس ، فعيل بمعنى مفعول . والقديد : الثوب الخلق أيضا . والتقديد : فعل القديد . والقد : السير الذي يقد من الجلد . والقد بالكسر : سير يقد من جلد غير مدبوغ ، وقال يزيد بن الصعق :


                                                          فرغتم لتمرين السياط وكنتم يصب عليكم بالقنا كل مربع



                                                          فأجابه بعض بني أسد :


                                                          أعبتم علينا أن نمرن قدنا ؟     ومن لم يمرن قده يتقطع



                                                          والجمع أقد . والقد : الجلد أيضا تخصف به النعال . والقد : سيور تقد من جلد فطير غير مدبوغ ، فتشد بها الأقتاب والمحامل ، والقدة أخص منه . وفي الحديث : لقاب قوس أحدكم وموضع قده في الجنة خير من الدنيا وما فيها ، القد بالكسر : السوط وهو في الأصل سير يقد من جلد غير مدبوغ ، أي : قدر سوط أحدكم ، وقدر الموضع الذي يسع سوطه من الجنة خير من الدنيا وما فيها . والمقدة : الحديدة التي يقد بها ، وقال بعضهم : يجوز أن يكون القد النعل ، سميت قدا ؛ لأنها تقد من الجلد ، قال : وروى ابن الأعرابي :


                                                          كسبت اليماني قده لم يجرد



                                                          بالجيم وقده بالقاف ، وقال : القد النعل لم تجرد من الشعر فتكون ألين له ومن روى : قده لم يحرد ، أراد مثاله لم يعوج ، والتحريد : أن تجعل بعض السير عريضا وبعضه دقيقا . وقد الكلام قدا : قطعه وشقه . وفي حديث سمرة : نهى أن يقد السير بين إصبعين ، أي : يقطع ويشق لئلا يعقر الحديد يده وهو شبيه نهيه أن يتعاطى السيف مسلولا . والقد : القطع طولا كالشق . وفي حديث أبي بكر رضي [ ص: 35 ] الله عنه يوم السقيفة : الأمر بيننا وبينكم كقد ‌‌‌الأبلمة أي : كشق الخوصة نصفين . واقتد الأمور : اشتقها وميزها وتدبرها وكلاهما على المثل . وقد المسافر المفازة وقد الفلاة والليل قدا : خرقهما وقطعهما . وقدته الطريق تقده قدا : قطعته . والمقد بالفتح : القاع وهو المكان المستوي . والمقد : مشق القبل . والقد : القامة . والقد : قدر الشيء وتقطيعه ، والجمع أقد وقدود وفي حديث جابر : أتي بالعباس يوم بدر أسيرا ولم يكن عليه ثوب فنظر له النبي صلى الله عليه وسلم قميصا فوجدوا قميص عبد الله بن أبي يقدد عليه فكساه إياه ، أي : كان الثوب على قدره وطوله . وغلام حسن القد أي : الاعتدال والجسم . وشيء حسن القد ، أي : حسن التقطيع . يقال : قد فلان قد السيف ، أي : جعل حسن التقطيع ؛ وقول النابغة :


                                                          ولرهط حراب وقد سورة     في المجد ليس غرابها بمطار



                                                          قال أبو عبيد : هما رجلان من أسد . والقد : جلد السخلة ، وقيل : السخلة الماعزة ، وقال ابن دريد : هو المسك الصغير فلم يعين السخلة ، والجمع القليل أقد ، والكثير قداد وأقدة ، الأخيرة نادرة . وفي الحديث : أن امرأة أرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجديين مرضوفين وقد ، أراد سقاء صغيرا متخذا من جلد السخلة فيه لبن ، وهو بفتح القاف . وفي حديث عمر رضي الله عنه : كانوا يأكلون القد ، يريد جلد السخلة في الجدب . وفي المثل : ما يجعل قدك إلى أديمك ، أي : ما يجعل الشيء الصغير إلى الكبير ، ومعنى هذا المثل : أي شيء يحملك على أن تجعل أمرك الصغير عظيما ؟ يضرب للرجل يتعدى طوره ، أي : ما يجعل مسك السخلة إلى الأديم وهو الجلد الكامل ، وقال ثعلب : القد هاهنا الجلد الصغير ، أي : ما يجعل الكبير مثل الصغير . وفي حديث أحد : كان أبو طلحة شديد القد ، إن روي بالكسر فيريد به وتر القوس ، وإن روي بالفتح فهو المد والنزع في القوس . وما له قد ولا قحف ، القد الجلد ، والقحف الكسرة من القدح ، وقيل : القد إناء من جلود ، والقحف إناء من خشب . والقداد : الحبن ،ومنه قول عمر رضي الله عنه : إنا لنعرف الصلاء بالصناب والفلائق ، والأفلاذ والشهاد بالقداد ، والقداد : وجع في البطن . وقد قد . وفي حديث ابن الزبير : قال لمعاوية في جواب : رب آكل عبيط سيقد عليه ، وشارب صفو سيغص به ، هو من القداد وهو داء في البطن ، ويدعو الرجل على صاحبه فيقول : حبنا قدادا . والحبن : مصدر الأحبن وهو الذي به السقي . وفي الحديث : فجعله الله حبنا وقدادا ، والحبن : الاستسقاء . ابن شميل : ناقة متقددة إذا كانت بين السمن ، والهزال ، وهي التي كانت سمينة فخفت ، أو كانت مهزولة فابتدأت في السمن ، يقال : كانت مهزولة فتقددت ، أي : هزلت بعض الهزال . وروي عن الأوزاعي في الحديث أنه قال : لا يقسم من الغنيمة للعبد ولا للأجير ولا للقديديين فالقديديون هم تباع العسكر والصناع كالحداد والبيطار معروف في كلام أهل الشام صانه الله تعالى ، قال ابن الأثير : هكذا يروى بالقاف وكسر الدال ، وقيل : هو بضم القاف وفتح الدال ، كأنه لخستهم يكتسون القديد وهو مسح صغير ، وقيل : هو من التقدد والتفرق ؛ لأنهم يتفرقون في البلاد للحاجة ، وتمزق ثيابهم ، وتصغيرهم تحقير لشأنهم . ويشتم الرجل فيقال له : يا قديدي ، ويا قديدي . والمقد : المكان المستوي . والقديد : مسيخ صغير . والقديد : رجل . والمقداد : اسم رجل من الصحابة ، وأما قول جرير :


                                                          إن الفرزدق يا مقداد زائركم     يا ويل قد على من تغلق الدار



                                                          أراد بقوله يا ويل قد : يا ويل مقداد ، فاقتصر على بعض حروفه كما قال الحطيئة : " من صنع سلام ، وإنما أراد سليمان ، وقال أبو سعيد في قول الأعشى :


                                                          إلا كخارجة المكلف نفسه



                                                          أراد : كخيرجان ملك فارس فسماه خارجة . والقديد : اسم ماء بعينه . وفي الصحاح : وقديد ماء بالحجاز وهو مصغر وورد ذكره في الحديث ، قال ابن الأثير : هو موضع بين مكة والمدينة . ابن سيده : وقديد موضع وبعضهم لا يصرفه يجعله اسما للبقعة ، ومنه قول عيسى بن جهمة الليثي ، وذكر قيس بن ذريح ، فقال : كان رجلا منا وكان ظريفا شاعرا وكان يكون بمكة ودونها من قديد وسرف وحول مكة في بواديها كلها . وقديد : فرس عبس بن جدان . وقدقداء : موضع عن الفارسي ، قال :


                                                          على منهل من قدقداء ومورد



                                                          وقد تفتح . وذهبت الخيل بقدان ، قال ابن سيده : حكاه يعقوب ولم يفسره . والقيدود : الناقة الطويلة الظهر ، يقال : اشتقاقه من القود مثل الكينونة من الكون ، كأنها في ميزان فيعول ، وهي في اللفظ فعلول ، وإحدى الدالين من القيدود زائدة ، قال : وقال بعض أصحاب التصريف : إنما أراد تثقيل فيعول بمنزلة حيد وحيدود ، وقال آخرون : بل ترك على لفظ كونونة ، فلما قبح دخول الواوين والضمات حولوا الواو الأولى ياء ليشبهوها بفيعول ، ولأنه ليس في كلام العرب بناء على فوعول ، حتى إنهم قالوا في إعراب نوروز : نيروزا فرارا من الواو ، وذكر الأزهري في هذه الترجمة عن أبي عمرو : المقدي بتخفيف الدال ضرب من الشراب ، وسنذكره في موضعه كما ذكره هو وغيره ، قال شمر : وسمعت رجاء بن سلمة يقول : المقدي طلاء منصف يشبه بما قد بنصفين . وورد في الحديث في ذكر الأشربة : المقدي هو طلاء منصف طبخ حتى ذهب نصفه ، تشبيها بشيء قد بنصفين ، وقد تخفف داله . وقد مخفف : كلمة معناها التوقع ، قال الجوهري : قد حرف لا يدخل إلا على الأفعال ، قال الخليل : هي جواب لقوم ينتظرون الخبر أو لقوم ينتظرون شيئا ، تقول : قد مات فلان ولو أخبره وهو لا ينتظره لم يقل : قد مات ، ولكن يقول : مات فلان ، وقيل : هي جواب قولك لما يفعل فيقول قد فعل ، قال النابغة :


                                                          أفد الترحل غير أن ركابنا     لما تزل برحالنا وكأن قد

                                                          أي : وكأن قد زالت فحذف الجملة . التهذيب : وقد حرف يوجب به الشيء ، كقولك : قد كان كذا وكذا ، والخبر أن تقول : كان كذا وكذا [ ص: 36 ] فأدخل قد توكيدا لتصديق ذلك ، قال : وتكون قد في موضع تشبه " ربما " وعندها تميل قد إلى الشك ، وذلك إذا كانت مع الياء والتاء والنون ، والألف في الفعل ، كقولك : قد يكون الذي تقول ، وقال النحويون : الفعل الماضي لا يكون حالا إلا بقد مظهرا أو مضمرا وذلك مثل قوله تعالى : أو جاءوكم حصرت صدورهم لا تكون حصرت حالا إلا بإضمار قد ، وقال الفراء في قوله تعالى : كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا المعنى ، وقد كنتم أمواتا ولولا إضمار قد لم يجز مثله في الكلام ، ألا ترى أن قوله عز وجل في سورة يوسف : إن كان قميصه قد من دبر فكذبت المعنى فقد كذبت ، قال الأزهري : وأما الحال في المضارع فهو سائغ دون قد ظاهرا أو مضمرا ، قال ابن سيده : فأما قوله :


                                                          إذا قيل : مهلا ، قال حاجزه : قد



                                                          فيكون جوابا كما قدمناه في بيت النابغة : وكأن قد ، والمعنى ، أي : قد قطع ، ويجوز أن يكون معناه قدك ، أي : حسبك ; لأنه قد فرغ مما أريد منه فلا معنى لردعك وزجرك وتكون قد مع الأفعال الآتية بمنزلة ربما ، قال الهذلي :


                                                          قد أترك القرن مصفرا أنامله     كأن أثوابه مجت بفرصاد



                                                          قال ابن بري : البيت لعبيد بن الأبرص . وتكون " قد " مثل " قط " بمنزلة " حسب " ، يقولون : ما لك عندي إلا هذا فقد ، أي : فقط ، حكاه يعقوب ، وزعم أنه بدل فتقول قدي وقدني ، وأنشد :


                                                          إلى حمامتنا ونصفه فقد



                                                          والقول في قدني كالقول في قطني قال حميد الأرقط : قدني من نصر الخبيبين قدي ، قال الجوهري : وأما قولهم قدك بمعنى حسبك فهو اسم تقول قدي ، وقدني أيضا بالنون على غير قياس ; لأن هذه النون إنما تزاد في الأفعال وقاية لها مثل ضربني وشتمني ، قال ابن بري : وهم الجوهري في قوله : إن النون في قوله : قدني زيدت على غير قياس وجعل نون الوقاية مخصوصة بالفعل لا غير وليس كذلك ، وإنما تزاد وقاية لحركة أو سكون في فعل أو حرف ، كقولك في " من وعن " إذا أضفتهما إلى نفسك : مني وعني فزدت نون الوقاية لتبقى نون " من وعن " على سكونها ، وكذلك في " قد وقط " تقول : قدني وقطني ، فتزيد نون الوقاية لتبقى الدال والطاء على سكونهما ، قال : وكذلك زادوها في ليت فقالوا : ليتني لتبقى حركة التاء على حالها ، وكذلك قالوا في ضرب : ضربني لتبقى حركة الباء على فتحتها ، وكذلك قالوا في اضرب : اضربني أيضا أدخلوا نون الوقاية عليه لتبقى الباء على سكونها ، وأراد حميد بالخبيبين عبد الله بن الزبير وأخاه مصعبا ، قال ابن بري : والشاهد في البيت أنه يقال : قدني وقدي بمعنى ، وأما الأصل قدي بغير نون وقدني بالنون شاذ ألحقت النون فيه لضرورة الوزن ، قال : فالأمر فيه بعكس ما قال ، وأن قدني هو الأصل وقدي حذفت النون منه للضرورة . وفي صفة جهنم نعوذ بالله منها ، فيقال : هل امتلأت ؟ فتقول : هل من مزيد ، حتى إذا أوعبوا فيها قالت : قد قد ، أي : حسبي حسبي ، ويروى بالطاء بدل الدال وهو بمعناه . ، ومنه حديث التلبية : فيقول : قد قد بمعنى حسب ، وتكرارها لتأكيد الأمر ، ويقول المتكلم : قدي ، أي : حسبي ، والمخاطب : قدك ، أي : حسبك . وفي حديث عمر رضي الله عنه أنه قال لأبي بكر رضي الله عنه : قدك يا أبا بكر ، قال : وتكون " قد " بمنزلة ما فينفى بها ، سمع بعض الفصحاء يقول :


                                                          قد كنت في خير فتعرفه



                                                          وإن جعلت " قد " اسما شددته فتقول : كتبت قدا حسنة ، وكذلك " كي وهو ولو " ; لأن هذه الحروف لا دليل على ما نقص منها فيجب أن يزاد في أواخرها ما هو من جنسها ويدغم إلا في الألف فإنك تهمزها ، ولو سميت رجلا " بلا أو ما " ثم زدت في آخره ألفا همزت ؛ لأنك تحرك الثانية ، والألف إذا تحركت صارت همزة ، قال ابن بري : قال الجوهري : لو سميت بقد رجلا لقلت : هذا قد بالتشديد ، قال : هذا غلط منه إنما يكون التضعيف في المعتل ، كقولك في " هو " اسم رجل : هذا هو ، وفي لو : هذا لو ، وفي في : هذا في ، وأما الصحيح فلا يضعف ، فتقول في قد : هذا قد ، ورأيت قدا ، ومررت بقد كما تقول : هذه يد ، ورأيت يدا ، ومررت بيد .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية