الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ قدح ]

                                                          قدح : القدح من الآنية . [ ص: 33 ] للشرب معروف ، قال أبو عبيد : يروي الرجلين وليس لذلك وقت ، وقيل : هو اسم يجمع صغارها وكبارها ، والجمع أقداح ومتخذها : قداح وصناعته : القداحة . وقدح بالزند يقدح قدحا واقتدح : رام الإيراء به . والمقدح ، والمقداح ، والمقدحة ، والقداح كله : الحديدة التي يقدح بها ، وقيل : القداح ، والقداحة : الحجر الذي يقدح به النار ، وقدحت النار . الأزهري : القداح الحجر الذي يورى منه النار ، قال رؤبة :


                                                          والمرو ذا القداح مضبوح الفلق



                                                          والقدح : قدحك بالزند وبالقداح لتوري ، الأصمعي : يقال للذي يضرب فتخرج منه النار قداحة . وقدحت في نسبه : إذا طعنت ، ومنه قول الجليح يهجو الشماخ :


                                                          أشماخ ! لا تمدح بعرضك واقتصد     فأنت امرؤ زنداك للمتقادح



                                                          أي : لا حسب لك ولا نسب يصح ، معناه : فأنت مثل زند من شجر متقادح ، أي : رخو العيدان ضعيفها ، إذا حركته الريح حك بعضه بعضا فالتهب نارا ، فإذا قدح به لمنفعة لم يور شيئا ، قال أبو زيد : ومن أمثالهم : اقدح بدفلى في مرخ . مثل يضرب للرجل الأريب الأديب ، قال الأزهري : وزناد الدفلى ، والمرخ كثيرة النار لا تصلد . وقدح الشيء في صدري : أثر من ذلك وفي حديث علي كرم الله وجهه : يقدح الشك في قلبه بأول عارضة من شبهة وهو من ذلك . واقتدح الأمر : دبره ونظر فيه والاسم القدحة ، قال عمرو بن العاص :


                                                          يا قاتل الله وردانا وقدحته     أبدى لعمرك ما في النفس وردان



                                                          وردان : غلام كان لعمرو بن العاص وكان حصيفا فاستشاره عمرو في أمر علي رضي الله عنه وأمر معاوية إلى أيهما يذهب ؟ فأجابه وردان بما كان في نفسه ، وقال له : الآخرة مع علي والدنيا مع معاوية وما أراك تختار على الدنيا ، فقال عمرو هذا البيت ، ومن رواه : وقدحته أراد به مرة واحدة ، وكذلك جاء في حديث عمرو بن العاص ، وقال ابن الأثير في شرحه ما قلناه ، وقال : القدحة اسم الضرب بالمقدحة ، والقدحة المرة ضربها مثلا لاستخراجه بالنظر حقيقة الأمر . وفي حديث حذيفة : يكون عليكم أمير لو قدحتموه بشعرة أوريتموه ، أي : لو استخرجتم ما عنده لظهر ضعفه كما يستخرج القادح النار من الزند فيوري ؛ فأما قوله في الحديث : لو شاء الله لجعل للناس قدحة ظلمة كما جعل لهم قدحة نور ، فمشتق من اقتداح النار ، وقال الليث في تفسيره : القدحة اسم مشتق من اقتداح النار بالزند ، قال الأزهري : وأما قول الشاعر :


                                                          ولأنت أطيش حين تغدو سادرا     رعش الجنان من القدوح الأقدح



                                                          فإنه أراد قول العرب : هو أطيش من ذباب ، وكل ذباب أقدح ولا تراه إلا وكأنه يقدح بيديه ، كما قال عنترة :


                                                          هزجا يحك ذراعه بذراعه     قدح المكب على الزناد الأجذم



                                                          والقدح ، والقادح : أكال يقع في الشجر والأسنان . والقادح : العفن وكلاهما صفة غالبة . والقادحة : الدودة التي تأكل السن والشجر تقول : قد أسرعت في أسنانه القوادح ، الأصمعي : يقال وقع القادح في خشبة بيته يعني الآكل ، وقد قدح في السن والشجرة ، وقدحتا قدحا وقدح الدود في الأسنان والشجر قدحا وهو تأكل يقع فيه . والقادح : الصدع في العود . والسواد الذي يظهر في الأسنان ، قال جميل :


                                                          رمى الله في عيني بثينة بالقذى     وفي الغر من أنيابها بالقوادح



                                                          ويقال : عود قد قدح فيه إذا وقع فيه القادح ، ويقال في مثل : صدقني وسم قدحه ، أي : قال الحق قاله أبو زيد . ويقولون : أبصر وسم قدحك ، أي : اعرف نفسك ، وأنشد :


                                                          ولكن رهط أمك من شييم     فأبصر وسم قدحك في القداح



                                                          وقدح في عرض أخيه يقدح قدحا : عابه . وقدح في ساق أخيه : غشه وعمل في شيء يكرهه . الأزهري عن ابن الأعرابي : تقول فلان يفت في عضد فلان ، ويقدح في ساقه ، قال : والعضد أهل بيته ، وساقه : نفسه . والقديح : ما يبقى في أسفل القدر فيغرف بجهد ، وفي حديث أم زرع : تقدح قدرا وتنصب أخرى ، أي : تغرف ، يقال : قدح القدر إذا غرف ما فيها ، وفي حديث جابر : ثم قال ادعي خابزة فلتخبز معك واقدحي من برمتك أي : اغرفي . وقدح ما في أسفل القدر يقدحه قدحا فهو مقدوح وقديح إذا غرفه بجهد ، قال النابغة الذبياني :


                                                          يظل الإماء يبتدرن قديحها     كما ابتدرت كلب مياه قراقر



                                                          وهذا البيت أورده الجوهري : فظل الإماء ، قال ابن بري : وصوابه يظل بالياء كما أوردناه ، وقبله :


                                                          بقية قدر من قدور توورثت     لآل الجلاح كابرا بعد كابر



                                                          أي : يبتدر الإماء إلى قديح هذه القدر ، كأنها ملكهم كما يبتدر كلب إلى مياه قراقر ؛ لأنه ماؤهم ورواه أبو عبيدة : كما ابتدرت سعد ، قال : وقراقر هو لسعد هذيم وليس لكلب . واقتداح المرق : غرفه . وفي الإناء قدحة وقدحة ، أي : غرفة ، وقيل : القدحة المرة الواحدة من الفعل . والقدحة : ما اقتدح . يقال : أعطني قدحة من مرقتك ، أي : غرفة ، ويقال : يبذل قديح قدره يعني ما غرف منها ، والقديح : المرق . والمقدح ، والمقدحة : المغرفة ، وقال جرير :


                                                          إذا قدرنا يوما عن النار أنزلت     لنا مقدح منها وللجار مقدح



                                                          وركي قدوح : تغترف باليد . والقدح بالكسر : السهم قبل أن ينصل ويراش ، وقال أبو حنيفة : القدح العود إذا بلغ فشذب عنه الغصن وقطع على مقدار النبل الذي يراد من الطول والقصر ، قال الأزهري : القدح قدح السهم ، وجمعه قداح ، وصانعه قداح أيضا ، ويقال : قدح في القدح يقدح وذلك إذا خرق في السهم بسنخ النصل . وفي الحديث : أن عمر كان يقومهم في الصف كما يقوم القداح القدح ، [ ص: 34 ] قال : وأول ما يقطع ويقضب يسمى قطعا ، والجمع القطوع ثم يبرى فيسمى بريا ، وذلك قبل أن يقوم ، فإذا قوم وأنى له أن يراش وينصل فهو القدح ، فإذا ريش وركب نصله فيه صار نصلا ، وقدح الميسر ، والجمع أقدح وأقداح وقداح وأقاديح ، الأخيرة جمع الجمع ، قال أبو ذؤيب يصف إبلا :


                                                          أما أولات الذرى منها فعاصبة     تجول بين مناقيها الأقاديح



                                                          والكثير قداح ؛ وقوله : فعاصبة ، أي : مجتمعة . والذرى : الأسنمة . وقدوح الرحل : عيدانه لا واحد لها ، قال بشر بن أبي خازم :


                                                          لها قرد كجثو النمل جعد     تعض بها العراقي والقدوح

                                                          وحديث أبي رافع : كنت أعمل الأقداح ، هو جمع قدح ، وهو الذي يؤكل فيه ، وقيل : جمع قدح ، وهو السهم الذي كانوا يستقسمون به ، أو الذي يرمى به عن القوس . وفي الحديث : إنه كان يسوي الصفوف حتى يدعها مثل القدح أو الرقيم ، أي : مثل السهم أو سطر الكتابة . وحديث أبي هريرة : فشربت حتى استوى بطني فصار كالقدح ، أي : انتصب بما حصل فيه من اللبن وصار كالسهم بعد أن كان لصق بظهره من الخلو . وحديث عمر : أنه كان يطعم الناس عام الرمادة فاتخذ قدحا فيه فرض ، أي : أخذ سهما وحز فيه حزا علمه به فكان يغمز القدح في الثريد ، فإن لم يبلغ موضع الحز لام صاحب الطعام وعنفه . وفي الحديث : لا تجعلوني كقدح الراكب ، أي : لا تؤخروني في الذكر ; لأن الراكب يعلق قدحه في آخر رحله عند فراغه من ترحاله ، ويجعله خلفه ، قال حسان :


                                                          كما نيط خلف الراكب القدح الفرد



                                                          وقدحت العين إذا أخرجت منها الماء الفاسد . وقدحت عينه وقدحت : غارت فهي مقدحة . وخيل مقدحة : غائرة العيون ومقدحة على صيغة المفعول : ضامرة كأنها ضمرت فعل ذلك بها . وقدح فرسه تقديحا : ضمره فهو مقدح . وقدح ختام الخابية قدحا : فضه : قال لبيد :


                                                          أغلي السباء بكل أدكن عاتق     أو جونة قدحت وفض ختامها



                                                          والقداح : نور النبات قبل أن يتفتح ، اسم كالقذاف . والقداح : الفصفصة الرطبة عراقية الواحدة قداحة ، وقيل : هي أطراف النبات من الورق الغض . الأزهري : القداح أرآد رخصة من الفصفصة . ودارة القداح : موضع عن كراع .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية