الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فائدة : ) ( الأعيان والمعاملات ) المنتفع بها ( والعقود المنتفع بها قبل ) ورود ( الشرع ) بحكمها ( إن ) فرض أنه ( خلا وقت عنه ) أي عن الشرع مع أن الصحيح : أنه لم يخل وقت من شرع . قاله القاضي وهو ظاهر كلام أحمد ، لأنه أول ما خلق آدم قال له ( { اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة } ) أمرهما ونهاهما عقب خلقهما . فكذلك كل زمان .

قال الجزري : لم تخل الأمم من حجة ، واحتج بقوله تعالى ( { أيحسب الإنسان أن يترك سدى } ) والسدى : الذي لا يؤمر ولا ينهى ، وبقوله تعالى ( { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا } ) وبقوله تعالى ( { وإن من أمة إلا خلا فيها نذير } ) [ ص: 103 ] قال القاضي : هذا ظاهر رواية عبد الله فيما خرجه في مجلسه : الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم . فأخبر أن كل زمان فيه قوم من أهل العلم ( أو بعده ) أي بعد ورود الشرع ( وخلا عن حكمها ) .

قال أبو الخطاب : لو قدرنا خلو شرع عن حكم ما حكمها ( أو لا ) : أي أو لم يخل الشرع عن حكمها ( وجهل ) قال القاضي : ويتصور فائدة المسألة فيمن نشأ ببرية ولم يعرف شرعا . وعنده فواكه وأطعمة . وكذا قال أبو الخطاب ( مباحة ) خبر لقوله " الأعيان " وبالإباحة قال أبو الحسن التميمي والقاضي أبو يعلى في مقدمة المجرد ، وأبو الفرج الشيرازي ، وأبو الخطاب والحنفية والظاهرية وابن سريج . وأبو حامد المروزي وغيرهم ، لأن خلقها لا لحكمة عبث ، ولا حكمة إلا انتفاعنا بها ، إذ هو خال عن المفسدة . كالشاهد . وقد قال الله تعالى ( { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } ) قال القاضي : وأومأ إليه أحمد ، حيث سئل عن قطع النخل ؟ قال : لا بأس ، لم نسمع في قطعه شيئا .

وفي الروضة ما يقتضي : أنه عرف بالسمع إباحتها قبله . وقاله بعضهم : كما في الآيات والأخبار . قال ابن قاضي الجبل وغيره : الأدلة الشرعية دلت على الإباحة لقوله تعالى ( { خلق لكم ما في الأرض جميعا } ) وقوله تعالى ( { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } ) وقوله صلى الله عليه وسلم { من أعظم المسلمين جرما : من سأل عن شيء لم يحرم ، فحرم لأجل مسألته } وقوله صلى الله عليه وسلم { ما سكت عنه : فهو عفو } .

وعند ابن حامد ، والقاضي في العدة ، والحلواني ، وبعض الشافعية ، والأبهري من المالكية : محرمة . لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه فحرم كالشاهد . ثم على القول بالتحريم : يخرج من محل الخلاف على الصحيح عند العلماء - وحكى إجماعا - ما يحتاج إليه كتنفس وسد رمق ونحوه .

وقول من قال بحرمة ذلك ساقط لا يعتد به . إذا تقرر هذا : فقد نقل عن بعض العلماء أنه قال : من لم يوافق المعتزلة في التحسين والتقبيح العقليين ، وقال بالإباحة أو الحظر : فقد ناقض . فاحتاج من قال [ ص: 104 ] بأحد القولين إلى استناد إلى سبب غير ما استندت إليه المعتزلة ، وهو ما أشير إليه بقوله ( بإلهام ) قال الحلواني وغيره : عرفنا الحظر والإباحة بالإلهام ، كما ألهم أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما أشياء ورد الشرع بموافقتهما ( وهو ما يحرك القلب بعلم يطمئن ) القلب ( به ) أي بذلك العلم حتى ( يدعو إلى العمل به ) أي بالعلم الذي اطمأن به ( وهو ) أي الإلهام ( في قول : طريق شرعي ) حكى القاضي أبو يعلى في الإلهام : هل هو طريق شرعي ؟ على قولين .

وحكي في جمع الجوامع : أن بعض الصوفية قال به . وقال ابن السمعاني نقلا عن أبي زيد الدبوسي وحده أبو زيد بأنه ما حرك القلب بعلم يدعوك إلى العمل به من غير استدلال ولا نظر في حجة .

وقال بعض الحنفية : هو حجة بمنزلة الوحي المسموع من رسول الله صلى الله عليه وسلم . واحتج له بقوله تعالى ( { ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها } ) أي عرفها بالإيقاع في القلب ، وبقوله تعالى ( { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام } ) وبقوله صلى الله عليه وسلم { الإثم ما حاك في الصدر ، وإن أفتاك الناس وأفتوك } فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة قلبه بلا حجة أولى من الفتوى . والقول الثاني : أنه خيال لا يجوز العمل به إلا عند فقد الحجج كلها ، ولا حجة في شيء مما تقدم ; لأنه ليس المراد الإيقاع في القلب بلا دليل ، بل الهداية إلى الحق بالدليل ، كما قال علي رضي الله تعالى عنه : إلا أن يؤتي الله عبدا فهما في كتابه .

التالي السابق


الخدمات العلمية