الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ومن سورة ألم نشرح

                                                                                                          3346 حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر وابن أبي عدي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رجل من قومه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بينما أنا عند البيت بين النائم واليقظان إذ سمعت قائلا يقول أحد بين الثلاثة فأتيت بطست من ذهب فيها ماء زمزم فشرح صدري إلى كذا وكذا قال قتادة قلت لأنس بن مالك ما يعني قال إلى أسفل بطني فاستخرج قلبي فغسل قلبي بماء زمزم ثم أعيد مكانه ثم حشي إيمانا وحكمة وفي الحديث قصة طويلة قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقد رواه هشام الدستوائي وهمام عن قتادة وفيه عن أبي ذر

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( ومن سورة ألم نشرح ) مكية وهي ثمان آيات .

                                                                                                          قوله : ( أخبرنا محمد بن جعفر ) المعروف بغندر ( عن سعيد ) هو ابن أبي عروبة ( عن مالك بن صعصعة ) الأنصاري المازني صحابي روى عنه أنس حديث المعراج كأنه مات قديما كذا في التقريب . وقال الحافظ في الفتح ما له في البخاري ولا في غيره سوى هذا الحديث ولا يعرف روى عنه إلا أنس بن مالك . قوله : ( بينما أنا عند البيت بين النائم واليقظان ) قال النووي : قد يحتج به من يجعلها رؤيا نوم ولا حجة فيه إذ قد يكون ذلك حاله أول وصول الملك إليه وليس في الحديث ما يدل على كونه نائما في القصة كلها انتهى .

                                                                                                          وقال الحافظ : هو محمول على ابتداء الحال ثم لما خرج به إلى باب المسجد فأركبه البراق استمر في يقظته ، وأما ما وقع في رواية شريك الآتية في التوحيد في آخر الحديث : فلما استيقظت ، فإن قلنا بالتعدد فلا إشكال وإلا حمل على أن المراد بـ " استيقظت " أفقت أي أنه أفاق مما كان فيه من شغل البال بمشاهدة الملكوت ورجع إلى العالم الدنيوي انتهى . وقال القرطبي : يحتمل أن يكون استيقاظا من نومة نامها بعد الإسراء لأن إسراءه لم يكن طول ليلة وإنما كان في بعضها انتهى .

                                                                                                          اعلم أنه وقع في هذه الرواية : ( بينما أنا عند البيت ) ووقع في رواية " بينما أنا في الحطيم " وربما [ ص: 193 ] قال " في الحجر " ، وفي رواية الزهري عن أنس عن أبي ذر " فرج سقف بيتي وأنا بمكة " ، وفي رواية الواقدي بأسانيده أنه أسري به من شعب أبي طالب . وفي حديث أم هانئ عند الطبراني أنه بات في بيتها قال ففقدته من الليل فقال : إن جبريل أتاني قال الحافظ : والجمع بين هذه الأقوال أنه نائم في بيت أم هانئ وبيتها عند شعب أبي طالب ففرج سقف بيته وأضاف البيت إليه لكونه كان يسكنه فنزل منه الملك فأخرجه من البيت إلى المسجد فكان به مضجعا وبه أثر النعاس . وقد وقع في مرسل الحسن عند ابن إسحاق : أن جبريل أتاه فأخرجه إلى المسجد فأركبه البراق وهو يؤيد هذا الجمع ( إذ سمعت قائلا يقول أحد بين الثلاثة ) وفي رواية مسلم : " إذ سمعت قائلا يقول أحد الثلاثة بين الرجلين " . قال الحافظ : المراد بالرجلين حمزة وجعفر والنبي صلى الله عليه وسلم كان نائما بينهما ( فأتيت ) بصيغة المجهول ( بطست ) بفتح الطاء وإسكان السين المهملتين إناء معروف وهي مؤنثة ويقال فيها طس بتشديد السين وحذف التاء وطسة أيضا ( فيها ) أي في الطست ( فشرح ) بالبناء للمفعول من الشرح أي شق ( صدري إلى كذا وكذا ) وفي رواية للشيخين : فشق من النحر إلى مراق البطن ( ثم حشي ) أي ملئ ( إيمانا وحكمة ) بالنصب على التمييز ، وهذا الملأ يحتمل أن يكون على حقيقته وتجسيد المعاني جائز كما جاء أن سورة البقرة تجيء يوم القيامة كأنها ظلة والموت في صورة كبش ، وكذلك وزن الأعمال وغير ذلك من أحوال الغيب . وقال البيضاوي : لعل ذلك من باب التمثيل إذ تمثيل المعاني قد وقع كثيرا كما مثلت له الجنة والنار في عرض الحائط وفائدته كشف المعنوي بالمحسوس . وقال ابن أبي جمرة : فيه أن الحكمة ليس بعد الإيمان أجل منها ولذلك قرنت معه ويؤيده قوله تعالى : ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وأصح ما قيل في الحكمة أنها وضع الشيء في محله أو الفهم في كتاب الله فعلى التفسير الثاني قد توجد الحكمة دون الإيمان وقد لا توجد وعلى الأول فقد يتلازمان لأن الإيمان يدل على الحكمة وأورد الترمذي هذا الحديث في تفسير قوله تعالى : ألم نشرح لك صدرك .

                                                                                                          قال الحافظ ابن كثير : يعني إنا شرحنا لك صدرك أي نورناه وجعلناه فسيحا رحيبا كقوله : فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام وكما شرح الله صدره كذلك جعل شرعه فسيحا واسعا سمحا سهلا لا حرج فيه ولا إصر ولا ضيق ، وقيل المراد بقوله : ألم نشرح لك صدرك شرح صدره ليلة الإسراء كما تقدم من رواية مالك بن صعصعة ، وقد أورده الترمذي ههنا وهذا وإن كان واقعا ليلة الإسراء كما رواه مالك بن صعصعة . ولكن لا منافاة فإن من جملة شرح صدره الذي فعل بصدره ليلة الإسراء وما نشأ عنه من الشرح المعنوي أيضا انتهى . قوله : ( وفي [ ص: 194 ] الحديث قصة طويلة ) أخرج الشيخان هذا الحديث بالقصة الطويلة .

                                                                                                          قوله : ( وفيه عن أبي ذر ) أخرج حديثه الشيخان .




                                                                                                          الخدمات العلمية