الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في بيان الفرق بين الشح والبخل : وقال الإمام المحقق في كتابه الكلم الطيب والعمل الصالح في الكلام على السخاء والشح : الفرق بين الشح والبخل أن الشح هو شدة الحرص على الشيء والإحفاء في طلبه ، والاستقصاء في تحصيله ، وجشع النفس عليه .

والبخل منع إنفاقه بعد حصوله وحبه وإمساكه ، فهو شحيح قبل حصوله ، بخيل بعد حصوله . فالبخل ثمرة الشح ، والشح يدعو إلى البخل ، والشح كامن في النفس ، فمن بخل فقد أطاع شحه ، ومن لم يبخل فقد عصى شحه ووقي شره وذلك هو المفلح { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } والسخي قريب من الله ومن خلقه ومن أهله ، وقريب من الجنة وبعيد من النار . والبخيل بعيد من الله بعيد من خلقه بعيد من الجنة قريب من النار . فجود الرجل يحببه إلى أضداده ، وبخله يبغضه إلى أولاده ، وأنشد :

ويظهر عيب المرء في الناس بخله ويستره عنهم جميعا سخاؤه     تغط بأثواب السخاء فإنني
أرى كل عيب والسخاء غطاؤه

قال : وحد السخاء بذل ما يحتاج إليه عند الحاجة ، وأن يوصل ذلك إلى مستحقه بقدر الطاقة . وليس كما قال بعض من نقص علمه : حد الجود [ ص: 428 ] بذل الموجود ، ولو كان كما قال لارتفع اسم السرف والتبذير ، وقد ورد الكتاب بذمهما وجاءت السنة بالنهي عنهما . قال : وإذا كان السخاء محمودا فمن وقف على حده سمي كريما وكان للحمد مستوجبا ، ومن قصر عنه كان بخيلا وللذم مستوجبا .

قال وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - يقول : { إن الله تعالى أوحى إلى إبراهيم أتدري لم اتخذتك خليلا ؟ قال لا ، قال : لأني رأيت العطاء أحب إليك من الأخذ } . قال وهذه صفة من صفات الرب جل جلاله ، فإنه يعطي ولا يأخذ ، ويطعم ولا يطعم ، وهو أجود الأجودين ، وأكرم الأكرمين ، وأحب الخلق إليه من اتصف بصفاته ، فإنه كريم يحب الكريم من عباده ، وعالم يحب العلماء ، وقادر يحب الشجعان ، وجميل يحب الجمال ، انتهى . .

التالي السابق


الخدمات العلمية