الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7135 ) الفصل الثاني : أنه يجلد ، ثم يرجم ، في إحدى الروايتين ، فعل ذلك علي رضي الله عنه . وبه قال ابن عباس ، وأبي بن كعب ، وأبو ذر . ذكر ذلك عبد العزيز عنهما ، واختاره . وبه قال الحسن ، وإسحاق ، وداود ، وابن المنذر . والرواية الثانية ، يرجم ولا يجلد . روي عن عمر وعثمان ; أنهما رجما ولم يجلدا .

                                                                                                                                            وروي عن ابن مسعود ، أنه قال : إذا اجتمع حدان لله تعالى ، فيهما القتل أحاط القتل بذلك . وبهذا قال النخعي ، والزهري ، والأوزاعي ، ومالك ، والشافعي ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي . واختار هذا أبو إسحاق الجوزجاني ، وأبو بكر الأثرم . ونصراه في " سننهما " ; لأن جابرا روى ، أن { النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا ولم يجلده ، ورجم الغامدية ولم يجلدها . وقال : واغد يا أنيس إلى امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها . } متفق عليه . ولم يأمره بجلدها ، وكان هذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجب تقديمه .

                                                                                                                                            قال الأثرم : [ ص: 41 ] سمعت أبا عبد الله ، يقول في حديث عبادة : إنه أول حد نزل ، وإن حديث ماعز بعده ، رجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجلده ، وعمر رجم ولم يجلد . ونقل عنه إسماعيل بن سعيد نحو هذا . ولأنه حد فيه قتل ، فلم يجتمع معه جلد كالردة ، ولأن الحدود إذا اجتمعت وفيها قتل سقط ما سواه ، فالحد أولى . ووجه الرواية قوله تعالى : { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } . وهذا عام ، ثم جاءت السنة بالرجم في حق الثيب ، والتغريب في حق البكر فوجب الجمع بينهما . وإلى هذا أشار علي رضي الله عنه بقوله : جلدتها بكتاب الله ، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                            وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في حديث عبادة : { والثيب بالثيب ، الجلد والرجم } . وهذا الصريح الثابت بيقين لا يترك إلا بمثله ، والأحاديث الباقية ليست صريحة ، فإنه ذكر الرجم ولم يذكر الجلد ، فلا يعارض به الصريح ، بدليل أن التغريب يجب بذكره في هذا الحديث ، وليس بمذكور في الآية ، ولأنه زان فيجلد كالبكر ، ولأنه قد شرع في حق البكر عقوبتان ; الجلد والتغريب ، فيشرع في حق المحصن أيضا عقوبتان ; الجلد ، والرجم ، فيكون الرجم مكان التغريب . فعلى هذه الرواية ، يبدأ بالجلد أولا ، ثم يرجم ، فإن والى بينهما جاز ، لأن إتلافه مقصود ، فلا تضر الموالاة بينهما ، وإن جلده يوما ورجمه آخر ، جاز ، فإن عليا رضي الله عنه جلد شراحة يوم الخميس ، ثم رجمها يوم الجمعة ، ثم قال : جلدتها بكتاب الله تعالى ، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية