الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما

                                                                                                                2017 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن خيثمة عن أبي حذيفة عن حذيفة قال كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم طعاما لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده وإنا حضرنا معه مرة طعاما فجاءت جارية كأنها تدفع فذهبت لتضع يدها في الطعام فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها ثم جاء أعرابي كأنما يدفع فأخذ بيده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذت بيدها فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذت بيده والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يدها وحدثناه إسحق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا عيسى بن يونس أخبرنا الأعمش عن خيثمة بن عبد الرحمن عن أبي حذيفة الأرحبي عن حذيفة بن اليمان قال كنا إذا دعينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام فذكر بمعنى حديث أبي معاوية وقال كأنما يطرد وفي الجارية كأنما تطرد وقدم مجيء الأعرابي في حديثه قبل مجيء الجارية وزاد في آخر الحديث ثم ذكر اسم الله وأكل وحدثنيه أبو بكر بن نافع حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن الأعمش بهذا الإسناد وقدم مجيء الجارية قبل مجيء الأعرابي

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( عن الأعمش عن خيثمة عن أبي حذيفة - رضي الله عنه - قال : كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم طعاما لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده . . . إلى آخره ) هذا الإسناد فيه ثلاثة تابعيون كوفيون بعضهم عن بعض ؛ الأعمش عن خيثمة - وهو خيثمة بن عبد الرحمن العبد الصالح - وأبو حذيفة واسمه سلمة بن صهيب ، وقيل : ابن صهيبة وقيل : ابن صهبان ، وقيل : ابن صهبة ، وقيل : ابن صهيبة الهمداني الأرحبي بالحاء المهملة وبالموحدة .

                                                                                                                وقوله : ( لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فيه بيان هذا الأدب ، وهو أنه يبدأ الكبير والفاضل في غسل اليد للطعام وفي الأكل .

                                                                                                                قوله : ( فجاءت جارية كأنها تدفع ) وفي الرواية الأخرى : ( كأنها تطرد ) يعني لشدة سرعتها ( فذهبت لتضع يدها في الطعام فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها ، ثم جاء أعرابي كأنما يدفع فأخذ بيده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان يستحل الطعام إذا لم يذكر اسم الله تعالى عليه ، وإنه [ ص: 164 ] جاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذت بيدها ، فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذت بيده ، والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يدها ) ثم زاد في الرواية الأخرى في آخر الحديث ( ثم ذكر اسم الله تعالى وأكل ) .

                                                                                                                في هذا الحديث فوائد : منها جواز الحلف من غير استحلاف ، وقد تقدم بيانه مرات ، وتفصيل الحال في استحبابه وكراهته ، ومنها : استحباب التسمية في ابتداء الطعام ، وهذا مجمع عليه ، وكذا يستحب حمد الله تعالى في آخره كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى ، وكذا تستحب التسمية في أول الشراب ، بل في أول كل أمر ذي بال كما ذكرنا قريبا .

                                                                                                                قال العلماء : ويستحب أن يجهر بالتسمية ليسمع غيره وينبهه عليها ، ولو ترك التسمية في أول الطعام عامدا أو ناسيا أو جاهلا أو مكرها أو عاجزا لعارض آخر ثم تمكن في أثناء أكله منها يستحب أن يسمي ويقول : بسم الله أوله وآخره ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله ، فإن نسي أن يذكر الله في أوله فليقل : بسم الله أوله وآخره " رواه أبو داود والترمذي وغيرهما ، قال الترمذي : حديث حسن صحيح .

                                                                                                                والتسمية في شرب الماء واللبن والعسل والمرق والدواء وسائر المشروبات كالتسمية على الطعام في كل ما ذكرناه ، وتحصل التسمية بقوله : ( بسم الله ) فإن قال : بسم الله الرحمن الرحيم ، كان حسنا ، وسواء في استحباب التسمية الجنب والحائض وغيرهما ، وينبغي أن يسمي كل واحد من الآكلين ، فإن سمى واحد منهم حصل أصل السنة ، نص عليه الشافعي - رضي الله عنه - ويستدل له بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الشيطان إنما يتمكن من الطعام إذا لم يذكر اسم الله تعالى عليه ، ولأن المقصود يحصل بواحد ، ويؤيده أيضا ما سيأتي في حديث الذكر عند دخول البيت ، وقد أوضحت هذه المسائل وما يتعلق بها في كتاب أذكار الطعام . والله أعلم .

                                                                                                                وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن يده في يدي مع يدها ) هكذا هو في معظم الأصول ( يدها ) وفي بعضها ( يدهما ) فهذا ظاهر ، والتثنية تعود إلى الجارية والأعرابي ، ومعناه أن يدي في يد الشيطان مع يد الجارية والأعرابي . وأما على رواية ( يدها ) بالإفراد فيعود الضمير على الجارية ، وقد حكى القاضي عياض - رضي الله عنه - أن الوجه التثنية ، والظاهر أن رواية الإفراد أيضا مستقيمة ، فإن إثبات يدها لا ينفي يد الأعرابي ، وإذا صحت الرواية بالإفراد وجب قبولها وتأويلها على ما ذكرناه . والله أعلم .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله تعالى عليه ) معنى ( يستحل ) [ ص: 165 ] يتمكن من أكله ، ومعناه : أنه يتمكن من أكل الطعام إذا شرع فيه إنسان بغير ذكر الله تعالى . وأما إذا لم يشرع فيه أحد فلا يتمكن ، وإن كان جماعة فذكر اسم الله بعضهم دون بعض لم يتمكن منه ، ثم الصواب الذي عليه جماهير العلماء من السلف والخلف من المحدثين والفقهاء والمتكلمين أن هذا الحديث وشبهه من الأحاديث الواردة في أكل الشيطان محمولة على ظواهرها ، وأن الشيطان يأكل حقيقة ؛ إذ العقل لا يحيله ، والشرع لم ينكره ، بل أثبته فوجب قبوله واعتقاده . والله أعلم .

                                                                                                                قوله في الرواية الثانية وقدم مجيء الأعرابي قبل الجارية عكس الرواية الأولى ، والثالثة كالأولى ، ووجه الجمع بينهما أن المراد بقوله في الثانية ( قدم مجيء الأعرابي ) أنه قدمه في اللفظ بغير حرف ترتيب ، فذكره بالواو فقال : جاء أعرابي وجاءت جارية ، والواو لا تقتضي ترتيبا ، وأما الرواية الأولى فصريحة في الترتيب وتقديم الجارية ؛ لأنه قال : ثم جاء أعرابي ، وثم للترتيب فيتعين حمل الثانية على الأولى ويبعد حمله على واقعتين .




                                                                                                                الخدمات العلمية