الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب قول الله تعالى إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم إلى آخر السورة واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله إلى قوله من المسلمين

                                                                                                                                                                                                        3159 حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله عن يونس عن الزهري قال سالم وقال ابن عمر رضي الله عنهما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال إني لأنذركموه وما من نبي إلا أنذره قومه لقد أنذر نوح قومه ولكني أقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور [ ص: 426 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 426 ] قوله : ( باب الأرواح جنود مجندة ) كذا ثبتت هذه الترجمة في معظم الروايات ، وهي متعلقة بترجمة آدم وذريته ، للإشارة إلى أنهم ركبوا من الأجسام والأرواح .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال الليث ) وصله المصنف في " الأدب المفرد " عن عبد الله بن صالح عنه

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( الأرواح جنود مجندة إلخ ) قال الخطابي : يحتمل أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشر والصلاح والفساد ، وأن الخير من الناس يحن إلى شكله والشرير نظير ذلك يميل إلى نظيره فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها من خير وشر ، فإذا اتفقت تعارفت ، وإذا اختلفت تناكرت . ويحتمل أن يراد الإخبار عن بدء الخلق في حال الغيب على ما جاء أن الأرواح خلقت قبل الأجسام ، وكانت تلتقي فتتشاءم ، فلما حلت بالأجسام تعارفت بالأمر الأول فصار تعارفها وتناكرها على ما سبق من العهد المتقدم . وقال غيره : المراد أن الأرواح أول ما خلقت خلقت على قسمين ، ومعنى تقابلها أن الأجساد التي فيها الأرواح إذا التقت في الدنيا ائتلفت أو اختلفت على حسب ما خلقت عليه الأرواح في الدنيا إلى غير ذلك بالتعارف . قلت : ولا يعكر عليه أن بعض المتنافرين ربما ائتلفا ، لأنه محمول على مبدإ التلاقي ، فإنه يتعلق بأصل الخلقة بغير سبب . وأما في ثاني الحال فيكون مكتسبا لتجدد وصف يقتضي الألفة بعد النفرة كإيمان الكافر وإحسان المسيء . وقوله " جنود مجندة " أي أجناس مجنسة أو جموع مجمعة ، قال ابن الجوزي : ويستفاد من هذا الحديث أن الإنسان إذا وجد من نفسه نفرة ممن له فضيلة أو صلاح فينبغي أن يبحث عن المقتضي لذلك ليسعى في إزالته حتى يتخلص من الوصف المذموم ، وكذلك القول في عكسه . وقال القرطبي : الأرواح وإن اتفقت في كونها أرواحا لكنها تتمايز بأمور مختلفة تتنوع بها ، فتتشاكل أشخاص النوع الواحد وتتناسب بسبب ما اجتمعت فيه من المعنى الخاص لذلك النوع للمناسبة ، ولذلك نشاهد أشخاص كل نوع تألف نوعها وتنفر من مخالفها . ثم إنا نجد بعض أشخاص النوع الواحد يتآلف وبعضها يتنافر ، وذلك بحسب الأمور التي يحصل الاتفاق والانفراد بسببها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال يحيى بن أيوب ) هو المصري ( حدثني يحيى بن سعيد بهذا ) يعني مثل الذي قبله ، وقد وصله الإسماعيلي من طريق سعيد بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب به ، ورويناه موصولا في مسند أبي يعلى وفيه قصة في أوله عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت " كانت امرأة مزاحة بمكة فنزلت على امرأة مثلها في المدينة ، فبلغ ذلك عائشة فقالت : صدق حبي ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فذكر مثله . ورويناه [ ص: 427 ] في فوائد أبي بكر بن زنبور من طريق الليث أيضا بسنده الأول بهذه القصة بمعناها ، قال الإسماعيلي : أبو صالح ليس من شرط هذا الكتاب ولا يحيى بن أيوب في الأصول ، وإنما يخرج له البخاري في الاستشهاد ، فأورد البخاري هذا الحديث من الطريقين بلا إسناد فصار أقوى مما لو ساقه بإسناد اهـ . وكان سبب ذلك أن الناظر في كتابه ربما اعتقد أن له عنده إسنادا آخر ، ولا سيما وقد ساقه بصيغة الجزم فيعتقد أنه على شرطه ، وليس الأمر كذلك . قلت : وللمتن شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه مسلم

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 428 ] قوله : ( باب قول الله تعالى : ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه ) كذا لأبي ذر ويؤيده ما وقع في الترجمة من شرح الكلمات اللاتي من هذه القصة في سورة هود وفي رواية الحفصي واتل عليهم نبأ نوح - إلى قوله - من المسلمين وللباقين إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم إلى آخر السورة ، وقد ذكر بعض هذا الأخير في رواية أبي ذر قبل الأحاديث المرفوعة . ونوح هو ابن لمك بفتح اللام وسكون الميم بعدها كاف ابن متوشلخ بفتح الميم وتشديد المثناة المضمومة بعدها واو ساكنة وفتح الشين المعجمة واللام بعدها معجمة ابن خنوخ بفتح المعجمة وضم النون الخفيفة بعدها واو ساكنة ثم معجمة وهو إدريس فيما يقال . وقد ذكر ابن جرير أن مولد نوح كان بعد وفاة آدم بمائة وستة وعشرين عاما ، وأنه بعث [ ص: 429 ] وهو ابن ثلاثمائة وخمسين وقيل غير ذلك ، وأنه عاش بعد الطوفان ثلاثمائة سنة وخمسين ، وقيل : إن مدة عمره ألف سنة إلا خمسين عاما قبل البعثة وبعدها وبعد الغرق فالله أعلم . وصحح ابن حبان من حديث أبي أمامة أن رجلا قال : يا رسول الله أنبي كان آدم ? قال : نعم . قال : فكم كان بينه وبين نوح ? قال عشرة قرون .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال ابن عباس بادي الرأي ما ظهر لنا ) وصله ابن أبي حاتم عن طريق عطاء عنه أي أول النظر قبل التأمل .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أقلعي : أمسكي ، وفار التنور : نبع الماء ) وصل ذلك ابن أبي حاتم أيضا من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وقال عكرمة وجه الأرض ) وصله ابن جرير من طريق أبي إسحاق الشيباني عن عكرمة في قوله : وفار التنور قال وجه الأرض

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال مجاهد : الجودي جبل بالجزيرة ) وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عنه وزاد تشامخت الجبال يوم الغرق وتواضع هو لله فلم يغرق وأرسيت عليه سفينة نوح .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( دأب حال ) وصله الفريابي من طريق مجاهد أيضا .

                                                                                                                                                                                                        ثم ذكر المصنف في الباب خمسة أحاديث الأول حديث ابن عمر في ذكر الدجال وسيأتي شرحه في الفتن ، والغرض منه قوله فيه : ولقد أنذر نوح قومه وخص نوحا بالذكر لأنه أول من ذكره ، وهو أول الرسل المذكورين في قوله تعالى : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية