الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 198 ] المعز

                                                                                      السلطان الملك المعز عز الدنيا والدين أيبك التركماني الصالحي الجاشنكير صاحب مصر .

                                                                                      لما قتلوا المعظم ، وخطبوا لأم خليل أياما ، وكانت تعلم على المناشير ، وتأمر وتنهى ، ويخطب لها بالسلطنة .

                                                                                      وكان المعز أكبر الصالحية ، وكان دينا ، عاقلا ، ساكنا ، كريما ، تاركا للشرب . ملكوه في أواخر ربيع الآخر سنة ثمان ، وتزوج بأم خليل ، فأنف من سلطنته جماعة ، فأقاموا في الاسم الملك الأشرف موسى بن الناصر يوسف بن المسعود أطسز بن السلطان الملك الكامل وله عشر سنين ، وذلك بعد خمسة أيام ، فكان التوقيع يبرز وصورته : " رسم بالأمر العالي السلطاني الأشرفي ، والملكي المعزي " . واستمر ذلك والأمور بيد المعز ، وكاتب عدة المغيث الذي بالكرك ، وأخذوا في الخطبة له ، فقال المعز : نادوا أن الديار المصرية لمولانا المستعصم بالله ، وأن الملك المعز نائبه ، ثم جددت الأيمان ، وفاجأهم صاحب الشام الملك الناصر الحلبي ، فالتقوا ، وكاد الناصر أن يملك ، فتناخت الصالحية ، وحملوا فكسروه ، وذبحوا نائبه لؤلؤا وجماعة .

                                                                                      وكان في المعز تؤدة ومداراة ، بنى مدرسة كبيرة ، ثم إنه خطب ابنة [ ص: 199 ] بدر الدين صاحب الموصل ، فغارت أم خليل فقتلته في حمام ، وثب عليه سنجر الجوجري وخدام ، فأمسكوا على بيضه فتلف ، وقطعت هي نصفين ، وقيل : بل خنقت ولم توسط ، ورميت مهتوكة ، وصلب الجوجري والخدام وملكوا ولده الملك المنصور علي بن أيبك وله خمس عشرة سنة ، وصيروا أتابكه علم الدين الحلبي .

                                                                                      عاش المعز نيفا وخمسين سنة وقتل في ربيع الأول سنة خمس وخمسين وستمائة .

                                                                                      وكانت شجر الدر أم خليل أم ولد للصالح ذات حسن وظرف ودهاء وعقل ، ونالت من العز والجاه ما لم تنله امرأة في عصرها ، وكان مماليك الصالح يخضعون لها ويرون لها ، فملكوها بعد قتل المعظم أزيد من شهرين ، وكان المعز لا يقطع أمرا دونها ولها عليه صولة ، وكانت جريئة وقحة قتلت وزيرها الأسعد ، وقد ولدت بالكرك من الصالح خليلا ، فمات صغيرا ، وكان الصالح يحبها كثيرا ، وكانت تحتجز على المعز فأنف من ذلك . قيل : لما تيقنت الهلاك ، أخذت جواهر مثمنة ودقتها في الهاون .

                                                                                      ولما قتلوا الفارس أقطايا تمكن المعز ، واستقل بالسلطنة ، وعزل الملك الأشرف ، وأبطل ذكره ، وبعث به إلى عماته القطبيات ، ودافع مماليك الصالح عن شجر الدر ، فلم تقتل إلا بعد اثنين وعشرين يوما ، فقتلت ورميت مهتوكة . وقيل : خطب لها ثلاثة أشهر ، وكان المنصور وأمه يحرضان على قتلها ، فقتلت في حادي عشر ربيع الآخر بعد مقتل المعز بدون الشهر ، ودفنت بتربتها بقرب قبر السيدة نفيسة . وقيل : إنها أودعت [ ص: 200 ] أموالا كثيرة فذهبت . وكانت حسنة السيرة ، لكن هلكت بالغيرة . وكان الخطباء يقولون : " واحفظ اللهم الحرمة الصالحة ملكة المسلمين عصمة الدنيا والدين أم خليل المستعصمية صاحبة السلطان الملك الصالح " .

                                                                                      وأما المنصور علي فعزل وتملك قطز الذي كسر التتار ، فبعث بعلي وبأخيه قليج إلى بلاد الأشكري ; فحدثني سيف الدين قليج هذا أن أخاه تنصر بقسطنطينية وتزوج وجاءته أولاد نصارى ، وعاش إلى نحو سنة سبعمائة ، وسمى نفسه ميخائيل .

                                                                                      قلت : نعوذ بالله من الشقاء ، فهذا بعد سلطنة مصر كفر وتعثر .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية