الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      أبو الربيع بن سالم

                                                                                      الإمام العلامة الحافظ المجود الأديب البليغ شيخ الحديث والبلاغة [ ص: 135 ] بالأندلس أبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم بن حسان الحميري الكلاعي البلنسي .

                                                                                      ولد سنة خمس وستين وخمسمائة .

                                                                                      وكان من كبار أئمة الحديث .

                                                                                      ذكره أبو عبد الله بن الأبار في " تاريخه " فقال : سمع ببلنسية من أبي العطاء بن نذير ، وأبي الحجاج بن أيوب ، وارتحل فسمع أبا بكر بن الجد ، وأبا القاسم بن حبيش ، وأبا عبد الله بن زرقون ، وأبا محمد بن بونه ، وأبا الوليد بن رشد ، وأبا محمد بن الفرس ، وأبا عبد الله بن عروس ، وأبا محمد بن جهور ، وأبا الحسن نجبة بن يحيى ، وخلقا سواهم .

                                                                                      وأجاز له أبو العباس بن مضاء ، وأبو محمد عبد الحق الأزدي مؤلف " الأحكام " ، وعني كل العناية بالتقييد والرواية .

                                                                                      قال وكان إماما في صناعة الحديث ، بصيرا به ، حافظا حافلا ، [ ص: 136 ] عارفا بالجرح والتعديل ، ذاكرا للمواليد والوفيات ، يتقدم أهل زمانه في ذلك ، وفي حفظ أسماء الرجال ، خصوصا من تأخر زمانه وعاصره ، وكتب الكثير وكان خطه لا نظير له في الإتقان والضبط ، مع الاستبحار في الأدب والاشتهار بالبلاغة ، فردا في إنشاء الرسائل ، مجيدا في النظم ، خطيبا ، فصيحا ، مفوها ، مدركا ، حسن السرد والمساق لما يقوله ، مع الشارة الأنيقة ، والزي الحسن ، وهو كان المتكلم عن الملوك في المجالس ، والمبين عنهم لما يريدونه على المنبر في المحافل . ولي خطابة بلنسية في أوقات ، وله تصانيف مفيدة في فنون عديدة ; ألف كتاب " الاكتفا في مغازي المصطفى والثلاثة الخلفا " وهو في أربع مجلدات ، وله كتاب حافل في معرفة الصحابة والتابعين لم يكمله ، وكتاب " مصباح الظلم " يشبه كتاب " الشهاب " ، وكتاب " أحبار البخاري " وكتاب " الأربعين " وغير ذلك . وإليه كانت الرحلة للأخذ عنه .

                                                                                      إلى أن قال انتفعت به في الحديث كل الانتفاع ، وأخذت عنه كثيرا .

                                                                                      قلت : روى عنه ابن الأبار ، والقاضي أبو العباس بن الغماز وطائفة من المشايخ لا أعرفهم . ورأيت له إجازة كتبها الكمال بن شاذي الفاضلي وطولها ، وذكر شيوخه وما روى عنهم ، منهم : عبد الرحمن بن مغاور ، حدثه عن أبي علي بن سكرة ، وأجاز له من الإسكندرية أبو الطاهر بن عوف الزهري ، والقاضي أبو عبد الله بن الحضرمي .

                                                                                      [ ص: 137 ] قال : ومن تصانيفي كتاب " الاكتفا في مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم والثلاثة الخلفا " وكتاب " الصحابة " إذا كمل يكون ضعف كتاب ابن عبد البر ، وكتاب " المصباح " على نحو " الشهاب " ، و " سيرة البخاري " أربعة أجزاء ، و " حلية الأمالي في الموافقات العوالي " أربعة أجزاء ، و " الأبدال " أربعة أجزاء ، و " مشيخة " خرجها لشيخه ابن حبيش ثلاثة أجزاء ، و " المسلسلات " جزء ، وعدة تواليف صغار ، و " الخطب " له نحو من ثمانين خطبة .

                                                                                      قال الحافظ ابن مسدي : لم ألق مثله جلالة ونبلا ، ورياسة وفضلا ، كان إماما مبرزا في فنون من منقول ومعقول ومنثور وموزون ، جامعا للفضائل ، برع في علوم القرآن والتجويد . وأما الأدب فكان ابن بجدته ، وأبا نجدته ، وهو ختام الحفاظ ، ندب لديوان الإنشاء فاستعفى . أخذ القراءات عن أصحاب ابن هذيل ، وارتحل ، واختص بالحافظ أبي القاسم بن حبيش بمرسية ، أكثرت عنه .

                                                                                      وقال الكلاعي في إجازته للقاضي الأشرف وآله : قرأت جميع " صحيح البخاري " على ابن حبيش بسماعه من يونس بن مغيث سنة 503 ، قال : سمعته في سنة 465 بقراءة الغساني على أبي عمر بن الحذاء ، حدثنا به عبد الله بن محمد بن أسد الجهني البزاز الثقة سنة خمس وتسعين وثلاثمائة ، أخبرنا أبو علي بن السكن بمصر سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة عن الفربري عنه . وقرأت " مصنف النسائي " على ابن حبيش وسمعه من ابن مغيث ، قال : قرأته على مولى الطلاع ، قال : سمعته على يونس بن عبد الله ، قال : قرأته على ابن الأحمر عنه .

                                                                                      [ ص: 138 ] قال أبو عبد الله بن الأبار كان رحمه الله أبدا يحدثنا أن السبعين منتهى عمره لرؤيا رآها ، وهو آخر الحفاظ والبلغاء بالأندلس ، استشهد في كائنة أنيشة على ثلاث فراسخ من مرسية مقبلا غير مدبر في العشرين من ذي الحجة سنة أربع وثلاثين وستمائة .

                                                                                      وقال الحافظ أبو محمد المنذري توفي شهيدا بيد العدو . قال : وكان مولده بظاهر مرسية في مستهل رمضان سنة خمس وستين وسمع ببلنسية ومرسية وشاطبة وإشبلية وغرناطة ومالقة ودانية وسبتة ، وجمع مجاميع تدل على غزارة علمه وكثرة حفظه ومعرفته بهذا الشأن ، كتب إلي بالإجازة في سنة أربع عشرة وستمائة .

                                                                                      أخبرنا أبو عبد الله محمد بن جابر القيسي ، أخبرنا أحمد بن محمد الحاكم بتونس أخبرنا العلامة أبو الربيع بن سالم الكلاعي ، أخبرنا عبد الله بن محمد الحجري ، أخبرنا محمد بن عبد العزيز بن زغيبة أخبرنا أبو العباس أحمد بن عمر العذري ، أخبرنا أحمد بن الحسن الرازي ، أخبرنا محمد بن عيسى ، أخبرنا إبراهيم بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا عبد الله بن مسلمة ، حدثنا أفلح بن حميد ، عن القاسم ، عن [ ص: 139 ] عائشة ، قالت : طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي لحرمه حين أحرم ولحله حين أحل قبل أن يطوف بالبيت .

                                                                                      أخبرناه عاليا أحمد بن هبة الله ، وزينب بنت كندي ، عن المؤيد بن محمد ، أخبرنا محمد بن الفضل أخبرنا عبد الغافر الفارسي ، أخبرنا محمد بن عيسى بن عمرويه فذكره .

                                                                                      مات مع ابن سالم في العام : المحدث العالم الملك المحسن أحمد بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ، وله سبع وخمسون سنة ، والشيخ إسحاق بن أحمد بن غانم العلثي زاهد بغداد ، ومحدث مصر المفيد وجيه الدين بركات بن ظافر بن عساكر ، والفقيه موفق الدين حمد بن أحمد بن محمد بن صديق الحراني ، وأبو طاهر الخليل بن أحمد الجوسقي ، والمعمر سعيد بن محمد بن ياسين السفار ، والإمام الناصح عبد الرحمن بن نجم بن الحنبلي ، ومفتي حران الناصح عبد القادر بن عبد القاهر بن عبد المنعم ، والمفتي شرف الدين عبد القادر بن محمد بن الحسن بن البغدادي المصري ، وخطيب بلنسية أبو الحسن علي بن أحمد بن خيرة المقرئ ، والمسند أبو نزار عبد الواحد بن أبي نزار البغدادي الجمال ، والمسند أبو الحسن علي بن محمد بن كبة ببغداد ، والحافظ المؤرخ أبو الحسن محمد [ ص: 140 ] بن أحمد بن عمر القطيعي ، والمسند المحدث أبو الحسن مرتضى بن حاتم الحارثي المصري ، والمسند أبو بكر هبة الله بن عمر بن حسن بن كمال الحلاج ، والمعمرة ياسمين بنت سالم بن علي بن البيطار .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية