الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 131 ] ابن النجار

                                                                                      الإمام العالم الحافظ البارع محدث العراق مؤرخ العصر محب الدين أبو عبد الله محمد بن محمود بن حسن بن هبة الله بن محاسن البغدادي ، ابن النجار .

                                                                                      مولده في سنة ثمان وسبعين وخمسمائة .

                                                                                      أول سماعه في سنة ثمان وثمانين وهو قليل ، وأول دخوله في الطلب وهو حدث سنة ثلاث وتسعين ; فسمع من أبي الفرج عبد المنعم بن كليب ، ويحيى بن بوش ، وذاكر بن كامل ، والمبارك بن المعطوش ، وأبي الفرج بن الجوزي ، وأصحاب ابن الحصين ، وقاضي المرستان ، ثم أصحاب ابن ناصر ، وأبي الوقت ، ثم ينزل إلى أصحاب ابن البطي ، وشهدة ، وتلا بالعشرة وغيرها على أبي أحمد عبد الوهاب بن سكينة ، وجماعة . وارتحل إلى أصبهان ، فسمع بها من عين الشمس الثقفية ، والموجودين ، وإلى هراة فسمع من أبي روح عبد المعز بن محمد ، وإلى [ ص: 132 ] نيسابور فسمع من المؤيد الطوسي ، وزينب بنت الشعري ، وبمصر من الحافظ علي بن المفضل ، وخلق ، وبدمشق من أبي اليمن الكندي ، وابن الحرستاني .

                                                                                      قال في أول تاريخه كنت وأنا صبي عزمت على تذييل الذيل لابن السمعاني ، فجمعت في ذلك مسودة ، ورحلت وأنا ابن ثمان وعشرين سنة ، فدخلت الحجاز والشام ومصر والثغر وبلاد الجزيرة والعراق والجبال وخراسان ، وقرأت الكتب المطولات ، ورأيت الحفاظ ، وكنت كثير التتبع لأخبار فضلاء بغداد ومن دخلها .

                                                                                      قلت : ساد في هذا العلم .

                                                                                      حدث عنه أبو حامد بن الصابوني ، وأبو العباس الفاروثي ، وأبو بكر الشريشي ، والغرافي ، وابن بلبان الناصري ، والفتح محمد القزاز ، وآخرون .

                                                                                      وبالإجازة جماعة .

                                                                                      واشتهر ، وكتب عمن دب ودرج من عال ونازل ، ومرفوع وأثر ، ونظم ونثر ، وبرع وتقدم ، وصار المشار إليه ببلده ، ورحل ثانيا إلى أصبهان في حدود العشرين ، وحج وجاور ، وعمل تاريخا حافلا لبغداد ذيل به واستدرك على الخطيب ، وهو في مائتي جزء ينبئ بحفظه ومعرفته ، وكان مع حفظه فيه دين وصيانة ونسك .

                                                                                      [ ص: 133 ] قال ابن الساعي : اشتملت مشيخته على ثلاثة آلاف شيخ وأربع مائة امرأة . عرضوا عليه السكنى في رباط شيخ الشيوخ فأبى ، وقال : معي ثلاث مائة دينار فلا يحل لي أن أرتفق من وقف ، فلما فتحت المستنصرية كان قد افتقر فجعل مشتغلا بها في علم الحديث .

                                                                                      ألف كتاب " القمر المنير في المسند الكبير " فذكر كل صحابي وما له من الحديث ، وكتاب " كنز الإمام في السنن والأحكام " ، وكتاب " المؤتلف والمختلف " ذيل به على الأمير ابن ماكولا ، وكتاب " المتفق والمفترق " ، وكتاب " انتساب المحدثين إلى الآباء والبلدان " ، وكتاب عواليه ، وكتاب " جنة الناظرين في معرفة التابعين " ، وكتاب " العقد الفائق " وكتاب " الكمال في الرجال " . وقرأت عليه " ذيل التاريخ " ، وله كتاب " الدرر الثمينة في أخبار المدينة " ، وكتاب " روضة الأولياء في مسجد إيلياء " ، وكتاب " نزهة القرى في ذكر أم القرى " ، وكتاب " الأزهار في أنواع الأشعار " ، وكتاب " عيون الفوائد " ستة أسفار ، وكتاب " مناقب الشافعي " وغير ذلك ، وأوصى إلي ، ووقف كتبه بالنظامية ، فنفذ إلي الشرابي مائة دينار لتجهيز جنازته . ورثاه جماعة من الشعراء ، وكان من محاسن الدنيا توفي في خامس شعبان سنة ثلاث وأربعين وستمائة .

                                                                                      قال ابن النجار في ترجمة ابن دحية : لما دخلت مصر طلبني [ ص: 134 ] السلطان - يعني الكامل - فحضرت عنده ، وكان يسألني عن أشياء من الحديث ، وأيام الناس ، وأمرني بملازمة القلعة ، فكنت أحضر فيها كل يوم .

                                                                                      أخبرنا علي بن أحمد العلوي ، أخبرنا محمد بن محمود الحافظ ، أخبرنا عبد المعز بن محمد ، أخبرنا يوسف بن أيوب ، أخبرنا أحمد بن علي الحافظ ، أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ ، أخبرنا حبيب بن الحسن ، أخبرنا عبد الله بن أيوب ، أخبرنا أبو نصر التمار ، أخبرنا حماد ، عن علي بن الحكم ، عن عطاء ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كتم علما علمه ألجمه الله تعالى بلجام من نار .

                                                                                      وأخبرناه عاليا أحمد بن هبة الله ، عن عبد المعز بن محمد .

                                                                                      وفي تاريخ ابن النجار أن والده مات في سنة ست وثمانين وخمسمائة وله ثمان وأربعون سنة ، وكان مقدم النجارين بدار الخلافة ، وكان من العوام .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية