الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 175 ] كتاب الحدود قال شيخ الإسلام قدس الله روحه فصل خاطب الله المؤمنين بالحدود والحقوق خطابا مطلقا كقوله : { والسارق والسارقة فاقطعوا } وقوله : { الزانية والزاني فاجلدوا } وقوله : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم } وكذلك قوله : { ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا } لكن قد علم أن المخاطب بالفعل لا بد أن يكون قادرا عليه والعاجزون لا يجب عليهم وقد علم أن هذا فرض على الكفاية وهو مثل الجهاد ; بل هو نوع من الجهاد . فقوله : { كتب عليكم القتال } وقوله : { وقاتلوا في سبيل الله } وقوله : { إلا تنفروا يعذبكم } ونحو ذلك هو فرض على الكفاية من القادرين و " القدرة " هي السلطان ; فلهذا : وجب إقامة الحدود على ذي السلطان ونوابه . والسنة أن يكون للمسلمين إمام واحد والباقون نوابه فإذا فرض أن الأمة خرجت عن ذلك لمعصية من بعضها وعجز من الباقين أو غير ذلك [ ص: 176 ] فكان لها عدة أئمة : لكان يجب على كل إمام أن يقيم الحدود ويستوفي الحقوق ; ولهذا قال العلماء إن أهل البغي ينفذ من أحكامهم ما ينفذ من أحكام أهل العدل ; وكذلك لو شاركوا الإمارة وصاروا أحزابا لوجب على كل حزب فعل ذلك في أهل طاعتهم فهذا عند تفرق الأمراء وتعددهم وكذلك لو لم يتفرقوا ; لكن طاعتهم للأمير الكبير ليست طاعة تامة ; فإن ذلك أيضا إذا أسقط عنه إلزامهم بذلك لم يسقط عنهم القيام بذلك ; بل عليهم أن يقيموا ذلك ; وكذلك لو فرض عجز بعض الأمراء عن إقامة الحدود والحقوق أو إضاعته لذلك : لكان ذلك الفرض على القادر عليه . وقول من قال : لا يقيم الحدود إلا السلطان ونوابه . إذا كانوا قادرين فاعلين بالعدل . كما يقول الفقهاء : الأمر إلى الحاكم إنما هو العادل القادر فإذا كان مضيعا لأموال اليتامى ; أو عاجزا عنها : لم يجب تسليمها إليه مع إمكان حفظها بدونه وكذلك الأمير إذا كان مضيعا للحدود أو عاجزا عنها لم يجب تفويضها إليه مع إمكان إقامتها بدونه .

                والأصل أن هذه الواجبات تقام على أحسن الوجوه . فمتى أمكن إقامتها من أمير لم يحتج إلى اثنين ومتى لم يقم إلا بعدد ومن غير سلطان أقيمت إذا لم يكن في إقامتها فساد يزيد على إضاعتها فإنها من " باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " فإن كان في ذلك من فساد ولاة الأمر أو الرعية ما يزيد على إضاعتها لم يدفع فساد بأفسد منه . والله أعلم .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية