الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      ابن بقي

                                                                                      الإمام العلامة المحدث المسند قاضي الجماعة أبو القاسم أحمد بن أبي الوليد يزيد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن مخلد بن عبد [ ص: 275 ] الرحمن بن أحمد ابن شيخ الأندلس الحافظ بقي بن مخلد ، الأموي ، مولاهم ، البقوي القرطبي المالكي .

                                                                                      سمع أباه ، وجده أبا الحسن ، ومحمد بن عبد الحق الخزرجي صاحب محمد بن الفرج الطلاعي ، وخلف بن بشكوال ، وأبا زيد السهيلي وطائفة . وأجاز له المقرئ أبو الحسن شريح بن محمد ، وعبد الملك بن مسرة . وتفرد بأشياء منها " موطأ " يحيى بن يحيى عن الخزرجي . وقد روى الحديث هو وجميع آبائه .

                                                                                      قال أبو عبد الله الأبار : هو من رجالات الأندلس جلالا وكمالا لا نعلم بيتا أعرق من بيته في العلم والنباهة إلا بيت بني مغيث بقرطبة ، وبني الباجي بإشبيلية ، وله التقدم على هؤلاء ، ولي قضاء الجماعة بمراكش مضافا إلى خطتي المظالم والكتابة العليا ، فحمدت سيرته ، ولم تزده الرفعة إلا تواضعا ، ثم عزل ، وأقام بطالا إلى أن قلد قضاء بلده ، وذهب إليه ، ثم عزل قبل موته ، فازدحم الطلبة عليه ، وكان لذلك أهلا .

                                                                                      وقال ابن الزبير - أو غيره - : كان له باع مديد في النحو والأدب ، تنافس الناس في الأخذ عنه ، وقرأ جميع " كتاب سيبويه " على أبي العباس بن مضاء ، وقرأ عليه " المقامات " .

                                                                                      وقال ابن مسدي : رأس شيخنا هذا بالمغربين ، وولي القضاء بالعدوتين ، ولما أسن استعفى ، ورجع إلى بلده ، فأقام قاضيا بها إلى أن [ ص: 276 ] غلب عليه الكبر ، فلزم منزله ، وكان عارفا بالإجماع والخلاف ، مائلا إلى الترجيح والإنصاف .

                                                                                      قلت : حدث عنه المعمر أبو محمد بن هارون الذي كتب إلينا بالإجازة من المغرب ، وجماعة .

                                                                                      وروى عنه بالإجازة محمد بن عياش الخزرجي ، والخطيب أبو القاسم بن الأيسر الجذامي ، وأبو الحكم مالك بن المرحل الأديب ، وآخرون . وقد كان - رحمه الله - يغلب عليه الميل إلى مذهب أهل الأثر ، والظاهر في أموره وأحكامه . ومن الرواة عنه العلامة أبو الحسين بن أبي الربيع ، وبالإجازة محمد بن محمد المومنائي الفاسي .

                                                                                      أخبرنا عبد الله بن محمد بن هارون الطائي الفقيه إذنا قال : أنبأنا أحمد بن يزيد القاضي ، عن شريح بن محمد المقرئ ، عن الفقيه أبي محمد بن حزم ، أخبرنا يحيى بن عبد الرحمن ، أخبرنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله العبسي ، حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الصوم جنة ولد ابن بقي سنة سبع وثلاثين وخمسمائة .

                                                                                      ومات يوم الجمعة بعد الصلاة منتصف رمضان سنة خمس وعشرين وستمائة بقرطبة ، وقد تجاوز ثمانيا وثمانين سنة - رحمه الله - وهو آخر من [ ص: 277 ] حدث " بالموطأ " في الدنيا عاليا بينه وبين الإمام مالك فيه ستة رجال بالسماع المتصل ، وهكذا العدد في " الموطأ " ليحيى بن بكير لمكرم بن أبي الصقر البزاز ، وفي " موطأ " القعنبي للموفقين : ابن قدامة وعبد اللطيف ، وابن الخير ، وفي " موطأ " أبي مصعب لأبي نصر بن الشيرازي وابن البرهان ، وفي " موطأ " سويد بن سعيد للبهاء عبد الرحمن .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية