الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب إخراج اليهود من جزيرة العرب وقال عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أقركم ما أقركم الله به

                                                                                                                                                                                                        2996 حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث قال حدثني سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بينما نحن في المسجد خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال انطلقوا إلى يهود فخرجنا حتى جئنا بيت المدراس فقال أسلموا تسلموا واعلموا أن الأرض لله ورسوله وإني أريد أن أجليكم من هذه الأرض فمن يجد منكم بماله شيئا فليبعه وإلا فاعلموا أن الأرض لله ورسوله [ ص: 313 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 313 ] قوله : ( باب إخراج اليهود من جزيرة العرب ) تقدم الكلام على جزيرة العرب في " باب هل يستشفع إلى أهل الذمة " من كتاب الجهاد ، وتقدم فيه حديث ابن عباس ثاني حديثي الباب ولفظه أخرجوا المشركين وكأن المصنف اقتصر على ذكر اليهود لأنهم يوحدون الله تعالى إلا القليل منهم ومع ذلك أمر بإخراجهم فيكون إخراج غيرهم من الكفار بطريق الأولى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أقركم ما أقركم الله ) هو طرف من قصة أهل خيبر ، وقد تقدم موصولا في المزارعة مع الكلام عليه . ثم ذكر فيه حديثين :

                                                                                                                                                                                                        أحدهما حديث أبي هريرة من قوله صلى الله عليه وسلم لليهود أسلموا تسلموا وسيأتي بأتم من هذا السياق في كتاب الإكراه وفي الاعتصام ، ولم أر من صرح بنسب اليهود المذكورين والظاهر أنهم بقايا من اليهود تأخروا بالمدينة بعد إجلاء بني قينقاع وقريظة والنضير والفراغ من أمرهم ، لأنه كان قبل إسلام أبي هريرة ، وإنما جاء أبو هريرة بعد فتح خيبر كما سيأتي بيان ذلك كله في المغازي ، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم يهود خيبر على أن يعملوا في الأرض كما تقدم ، واستمروا إلى أن أجلاهم عمر ، ويحتمل والله أعلم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن فتح ما بقي من خيبر هم بإجلاء من بقي ممن صالح من اليهود ثم سألوه أن يبقيهم ليعملوا في الأرض فبقاهم ، أو كان قد بقي بالمدينة من اليهود المذكورين طائفة استمروا فيها معتمدين على الرضا بإبقائهم للعمل في أرض خيبر ثم منعهم النبي صلى الله عليه وسلم من سكنى المدينة أصلا والله أعلم ، بل سياق كلام القرطبي في شرح مسلم يقتضي أنه فهم أن المراد بذلك بنو النضير ، ولكن لا يصح ذلك لتقدمه على مجيء أبي هريرة ، وأبو هريرة يقول في هذا الحديث إنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وبيت المدراس بكسر أوله هو البيت الذي يدرس فيه كتابهم ، أو المراد بالمدراس العالم الذي يدرس كتابهم ، والأول أرجح لأن في الرواية الأخرى " حتى أتى المدراس " وقوله : أسلموا تسلموا " من الجناس الحسن لسهولة لفظه وعدم تكلفه ، وقد تقدم نظيره في كتاب هرقل " أسلم تسلم " وقوله : اعلموا " جملة مستأنفة كأنهم قالوا في جواب قوله أسلموا تسلموا : لم قلت هذا وكررته فقال : اعلموا أني أريد أن أجليكم فإن أسلمتم سلمتم من ذلك ومما هو أشق منه . وقولهم : قد بلغت " [1] كلمة مكر ومداجاة ليدافعوه بما يوهمه ظاهرها ولذلك قال صلى الله عليه وسلم " ذلك أريد " أي التبليغ .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فمن يجد منكم بماله ) من الوجدان أي يجد مشتريا ، أو من الوجد أي المحبة أي يحبه ، والغرض أن منهم من يشق عليه فراق شيء من ماله مما يعسر تحويله فقد أذن له في بيعه .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية