الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 509 ] كتاب الوكالة

مناسبته أن كلا من الشاهد والوكيل ساع في تحصيل مراد غيره ( التوكيل صحيح ) بالكتاب والسنة ، قال تعالى { فابعثوا أحدكم بورقكم } { - ووكل عليه الصلاة والسلام حكيم بن حزام بشراء أضحية } ، وعليه الإجماع ، وهو خاص وعام [ ص: 510 ] كأنت وكيلي في كل شيء عم الكل حتى الطلاق قال الشهيد : وبه يفتى ، وخصه أبو الليث بغير طلاق وعتاق ووقف ، واعتمده في الأشباه ، وخصه قاضي خان بالمعاوضات ، فلا يلي العتق والتبرعات وهو المذهب كما في تنوير البصائر وزواهر الجواهر ، وسيجيء أن به يفتى ، واعتمده في الملتقط فقال : وأما الهبات والعتاق فلا يكون وكيلا عند أبي حنيفة خلافا لمحمد .

وفي الشرنبلالية : ولو لم يكن للموكل صناعة معروفة فالوكالة باطلة ( وهو إقامة الغير مقام نفسه ) ترفها أو عجزا ( في تصرف جائز معلوم ، [ ص: 511 ] فلو جهل ثبت الأدنى وهو الحفظ ممن يملكه ) أي التصرف نظرا إلى أصل التصرف ، وإن امتنع في بعض الأشياء بعارض النهي ابن كمال

[ ص: 509 ]

التالي السابق


[ ص: 509 ] قوله التوكيل صحيح ) لم يذكر ما يصير به وكيلا ولا الفرق بين الوكيل والرسول ، وحررته في بيوع تنقيح الحامدية .

قال مجرد هذه الحواشي : ذكر المؤلف - رحمه الله - في الحامدية في الخيارات سؤالا طويلا وذيله بالفرق ، وها أنا أذكر السؤال من أصله تتميما للفائدة .

قال - رحمه الله - : سئل في رجل اشترى من آخر نصف أغنام معلومة ولم يرها ووكل زيدا بقبضها ورآها زيد ويزعم الرجل أن له خيار الرؤية إذا رآها ، وإن رآها وكيله بالقبض فهل نظر الوكيل بالقبض مسقط خيار رؤية الموكل ؟ الجواب نعم ، وكفى رؤية وكيل قبض ووكيل شراء لا رؤية رسول المشتري تنوير من خيار الرؤية ، ونظر الوكيل بالقبض : أي قبض المبيع مسقط عند أبي حنيفة خيار رؤية الموكل كالوكيل بالشراء ، يعني كما أن نظر الوكيل بالشراء يسقط خياره .

وقالا : هو كالرسول ، يعني : نظر الوكيل بالقبض كنظر الرسول في أنه لا يسقط الخيار ، قيد بالوكيل بالقبض ; لأنه لو وكل رجلا بالرؤية لا تكون رؤيته كرؤية الموكل اتفاقا كذا في الخانية إلخ ما ذكره الشارح ابن ملك ، والمسألة في المتون وأطال فيها في البحر فراجعه

وصورة التوكيل بالقبض كن وكيلا عني بقبض ما اشتريته وما رأيته كذا في الدرر .

أقول : ولم يذكر الفرق بين الوكيل والرسول وهو لازم .

قال في البحر : وفي المعراج : قيل الفرق بين الرسول والوكيل أن الوكيل لا يضيف العقد إلى الموكل والرسول لا يستغني عن إضافته إلى المرسل .

وفي الفوائد : صورة التوكيل أن يقول المشتري لغيره ، كن وكيلا في قبض المبيع أو وكلتك بقبضه .

وصورة الرسول أن يقول كن رسولا عني في قبضه أو أرسلتك لتقبضه أو قل لفلان أن يدفع المبيع إليك ، وقيل لا فرق بين الرسول والوكيل في فصل الأمر ، بأن قال اقبض المبيع فلا يسقط الخيار ا هـ كلام البحر ، وكتبت فيما علقته عليه أن قوله وفي الفوائد إلخ لا ينافي ما قبله ; لأن الأول في الفرق بين الرسول والوكيل ، فالرسول لا بد له من إضافة العقد إلى مرسله ، لما مر عن الدرر من أنه معبر وسفير ، بخلاف الوكيل فإنه لا يضيف العقد إلى الموكل إلا في مواضع كالنكاح والخلع والهبة والرهن ونحوها ، فإن الوكيل فيها كالرسول ، حتى لو أضاف النكاح لنفسه كان له ، وما في الفوائد بيان لما يصير به الوكيل وكيلا والرسول رسولا .

وحاصله أنه يصير وكيلا بألفاظ الوكالة ، ويصير رسولا بألفاظ الرسالة وبالأمر ، لكن صرح في البدائع أن : افعل كذا وأذنت لك أن تفعل كذا توكيل ، ويؤيده ما في الولوالجية : دفع له ألفا وقال : اشتر لي بها أو بع أو قال : اشتر بها أو بع ولم يقل لي كان توكيلا ، وكذا اشتر بهذا الألف جارية ، وأشار إلى مال نفسه ، ولو قال اشتر هذه الجارية بألف درهم كان مشورة والشراء للمأمور إلا إذا زاد ، على أن أعطيك لأجل شرائك درهما ; لأن اشتراط الأجر له يدل على الإنابة ا هـ .

وأفاد أنه ليس كل أمر توكيلا بل لا بد مما يفيد كون فعل المأمور بطريق النيابة عن الآمر فليحفظ ا هـ . هذا جميع ما كتبه نقلته ، وبالله التوفيق .

( قوله ووكل عليه الصلاة والسلام إلخ ) رواه أبو داود بسند فيه مجهول ، ورواه الترمذي عن حبيب بن أبي ثابت عن حكيم وقال لا نعرفه إلا من هذا [ ص: 510 ] الوجه ، وحبيب لم يسمع عندي من حكيم إلا أن هذا داخل في الإرسال عندنا فيصدق قول المصنف : أي صاحب الهداية صح إذا كان حبيب إماما ثقة فتح

( قوله كأنت وكيلي في كل شيء ) نقل في الشرنبلالية وغيرها عن قاضي خان : لو قال لغيره : أنت وكيلي في كل شيء أو قال : أنت وكيلي بكل قليل وكثير يكون وكيلا بحفظ لا غير هو الصحيح ، ولو قال : أنت وكيلي في كل شيء جائز أمرك يصير وكيلا في جميع التصرفات المالية كبيع وشراء وهبة وصدقة .

واختلفوا في طلاق وعتاق ووقف ، فقيل يملك ذلك لإطلاق تعميم اللفظ ، وقيل لا يملك ذلك إلا إذا دل دليل سابقة الكلام ونحوه وبه أخذ الفقيه أبو الليث ا هـ .

وبه يعلم ما في كلام الشارح سابقا ولاحقا فتدبر ، ولابن نجيم رسالة سماها [ المسألة الخاصة في الوكالة العامة ] ذكر فيها ما في الخانية وما في فتاوى أبي جعفر .

ثم قال : وفي البزازية أنت وكيلي في كل شيء جائز أمرك ملك الحفظ والبيع والشراء ويملك الهبة والصدقة ، حتى إذا أنفق على نفسه من ذلك المال جاز حتى يعلم خلافه من قصد الموكل .

وعن الإمام تخصيصه بالمعاوضات ، ولا يلي العتق والتبرع ، وعليه الفتوى ، وكذا لو قال طلقت امرأتك ووهبت ووقفت أرضك في الأصح لا يجوز ا هـ .

وفي الذخيرة أنه توكيل بالمعاوضات لا بالإعتاق والهبات ، وبه يفتى ا هـ .

وفي الخلاصة كما في البزازية : والحاصل أن الوكيل وكالة عامة يملك كل شيء إلا الطلاق والعتاق والوقف والهبة والصدقة على المفتى به ، وينبغي أن لا يملك الإبراء والحط عن المديون ; لأنهما من قبيل التبرع فدخلا تحت قول البزازي أنه لا يملك التبرع ، وظاهر أنه يملك التصرف في مرة بعد أخرى وهل له الإقراض والهبة بشرط العوض فإنهما بالنظر إلى الابتداء تبرع ، فإن القرض عارية ابتداء ، معاوضة انتهاء والهبة بشرط العوض هبة ابتداء معاوضة انتهاء ، وينبغي أن لا يملكهما الوكيل بالتوكيل العام ; لأنه لا يملكهما إلا من يملك التبرعات ، ولذا لا يجوز إقراض الوصي مال اليتيم ولا هبته بشرط العوض وإن كانت معاوضة في الانتهاء ، وظاهر العموم أنه يملك قبض الدين واقتضاءه وإيفاءه والدعوى بحقوق الموكل وسماع الدعوى بحقوق على الموكل والأقارير على الموكل بالديون ، ولا يختص بمجلس القاضي ; لأن ذلك في الوكيل بالخصومة لا في العام .

فإن قلت : لو وكله بصيغة وكلتك وكالة مطلقة عامة فهل يتناول الطلاق والعتاق والتبرعات ؟ قلت : لم أره صريحا والظاهر أنه لا يملكها على المفتى به ; لأن من الألفاظ ما صرح قاضي خان وغيره بأنه توكيل عام ومع ذلك قالوا بعدمه ا هـ ما ذكره ابن نجيم في رسالته ملخصا ، وقد ساقها الفتال في حاشيته برمتها ( قوله وفي الشرنبلالية ) عبارتها نقلا عن الخانية : وفي فتاوى الفقيه أبي جعفر رجل قال لغيره : وكلتك في جميع أموري وأقمتك مقام نفسي لا تكون الوكالة عامة ، ولو قال : وكلتك في جميع أموري التي يجوز بها التوكيل كانت الوكالة عامة تتناول البياعات والأنكحة .

وفي الوجه الأول إذا لم تكن عامة ينظر ، إن كان الرجل يختلف ليس له صناعة معروفة فالوكالة [ ص: 511 ] باطلة ، وإن كان الرجل تاجرا تجارة معروفة تنصرف إليها ا هـ .

وبه يعلم ما في كلام الشارح ، إذ صورة البطلان ليست في قوله أنت وكيلي في كل شيء كما بنى عليه الشارح هذه العبارات بل في غيرها وهي وكلتك في جميع أموري إلخ إلا أن يقال هما سواء في عدم العموم ، ولكن مبنى كلامه على أن ما ذكره عام ولكنك قد علمت ما فيه مما نقلناه سابقا أن ما ذكره ليس مما الكلام فيه ا هـ ( قوله فلو جهل ) كما لو قال وكلتك بمالي منح ( قوله نظرا إلى أصل التصرف إلخ ) جواب عما يرد على هذا الشرط وهو توكيل المسلم ذميا ببيع خمر أو خنزير وتوكيل المحرم حلالا ببيع الصيد ; لأنه صحيح عنده ولا يملكه الموكل س .




الخدمات العلمية