الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      ابن الحرستاني

                                                                                      الشيخ الإمام العالم المفتي المعمر الصالح مسند الشام شيخ الإسلام قاضي القضاة جمال الدين أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل بن علي بن عبد الواحد الأنصاري الدمشقي الشافعي ابن الحرستاني ، من ذرية سعد بن عبادة - رضي الله عنه - . ولد في أحد الربيعين سنة عشرين وخمسمائة .

                                                                                      وسمع في سنة خمس وعشرين ، وبعدها ، من عبد الكريم بن حمزة ، وطاهر بن سهل ، وجمال الإسلام علي بن المسلم ، والفقيه نصر الله بن محمد ، وهبة الله بن طاوس ، وعلي بن قبيس المالكي ، ومعالي بن الحبوبي ، وأبي القاسم بن البن الأسدي ، وأبي الحسن المرادي ، وجماعة ، وله " مشيخة " في جزء مروي .

                                                                                      وقد أجاز له أبو عبد الله الفراوي ، وهبة الله بن سهل السيدي ، وزاهر [ ص: 81 ] بن طاهر ، وعبد المنعم ابن الأستاذ أبي القاسم القشيري ، وإسماعيل القارئ وطائفة .

                                                                                      وحدث " بدلائل النبوة " للبيهقي ، و " بصحيح مسلم " وأشياء . وبرع في المذهب ، وأفتى ودرس ، وعمر دهرا ، وتفرد بالعوالي .

                                                                                      حدث عنه أبو المواهب بن صصرى ، وعبد الغني المقدسي ، وعبد القادر الرهاوي ، والضياء ، وابن النجار ، والبرزالي ، وابن خليل ، والقوصي ، والزكي عبد العظيم ، وكمال الدين بن العديم ، والنجيب نصر الله الصفار ، وزين الدين خالد ، والجمال عبد الرحمن بن سالم الأنباري ، وأبو الغنائم بن علان ، وأبو حامد بن الصابوني ، والبرهان بن الدرجي ، ويوسف بن تمام ، وأبو بكر بن الأنماطي ، ومحمد وعمر ابنا عبد المنعم القواس ، ومحمد بن أبي بكر العامري ، والفخر علي ، وأبو بكر بن محمد بن طرخان ، والشمس عبد الرحمن بن الزين ، والشمس بن الزين وأبو بكر بن عمر المزي ، والقاضي شمس الدين محمد بن العماد ، وأبو إسحاق بن الواسطي ، وخلق كثير .

                                                                                      وروى عنه بالإجازة العماد عبد الحافظ بن بدران ، وعائشة بنت المجد .

                                                                                      وكان إماما فقيها ، عارفا بالمذهب ، ورعا صالحا ، محمود الأحكام ، [ ص: 82 ] حسن السيرة ، كبير القدر . رحل إلى حلب ، وتفقه بها على المحدث الفقيه أبي الحسن المرادي ، وولي القضاء بدمشق ، نيابة عن أبي سعد بن أبي عصرون ، ثم إنه ولي قضاء القضاة استقلالا في سنة اثنتي عشرة وستمائة . قال ابن نقطة هو أسند شيخ لقينا من أهل دمشق ، حسن الإنصات ، صحيح السماع .

                                                                                      وقال أبو شامة دخل به أبوه من حرستا ، فنزل بباب توما يؤم بمسجد الزينبي ، ثم أم فيه ابنه جمال الدين ، ثم انتقل جمال الدين فسكن بداره بالحويرة ، وكان يلازم الجماعة بمقصورة الخضر ، ويحدث هناك ، ويجتمع خلقا ، مع حسن سمته ، وسكونه ، وهيبته . حدثني الشيخ عز الدين بن عبد السلام أنه لم ير أفقه منه ، وعليه كان ابتداء اشتغاله ، ثم صحب فخر الدين ابن عساكر ، فسألته عنهما فرجح ابن الحرستاني ، وكان حفظ " الوسيط " للغزالي .

                                                                                      ثم قال أبو شامة : ولما ولي محيي الدين القضاء لم ينب ابن الحرستاني عنه ، وبقي إلى أن ولاه العادل القضاء ، وعزل الطاهر ، وأخذ منه العزيزية ، والتقوية ، فأعطى العزيزية ابن الحرستاني مع القضاء ، وأقبل عليه العادل ، وكان يحكم بالمجاهدية ، وناب عنه ولده العماد ، ثم ابن الشيرازي ، وشمس الدين ابن سني الدولة ، وبقي سنتين وسبعة أشهر ، ومات ، وكانت له جنازة عظيمة ، وقد امتنع من القضاء ، فألحوا عليه ، وكان صارما عادلا على طريقة السلف في لباسه وعفته . [ ص: 83 ] وقال سبط الجوزي كان زاهدا ، عفيفا ، ورعا ، نزها ، لا تأخذه في الله لومة لائم . اتفق أهل دمشق على أنه ما فاتته صلاة بجامع دمشق في جماعة إلا إذا كان مريضا . ثم ساق حكايات من مناقبه وعدله في قضاياه ، وأتي مرة بكتاب ، فرمى به ، وقال : " كتاب الله قد حكم على هذا الكتاب " ، فبلغ العادل قوله ، فقال : " صدق ، كتاب الله أولى من كتابي " ، وكان يقول للعادل : أنا ما أحكم إلا بالشرع ، وإلا فأنا ما سألتك القضاء ، فإن شئت فأبصر غيري .

                                                                                      قال أبو شامة : ابنه العماد هو الذي ألح عليه حتى تولى القضاء .

                                                                                      وحدثني ابنه قال : جاء إليه ابن عنين ، فقال : السلطان يسلم عليك ويوصي بفلان ، فإن له محاكمة . فغضب وقال : الشرع ما يكون فيه وصية .

                                                                                      قال المنذري : سمعت منه ، وكان مهيبا ، حسن السمت ، مجلسه مجلس وقار وسكينة ، يبالغ في الإنصات إلى من يقرأ عليه . توفي في رابع ذي الحجة سنة أربع عشرة وستمائة وهو في خمس وتسعين سنة .

                                                                                      وفيها مات القدوة الشيخ العماد المقدسي ، وأبو الخطاب أحمد بن محمد بن واجب البلنسي ، والشيخ ذيال الزاهد ، والمحدث عبد الله بن عبد الجبار العثماني ، وعبد الخالق بن صالح بن ريدان المسكي ، وأبو الحسين محمد بن أحمد بن جبير الكناني ، والمعمر محمد بن عبد العزيز بن سعادة [ ص: 84 ] الشاطبي ، وأبو الغنائم هبة الله بن أحمد الكهفي ، والفقيه أبو تراب يحيى بن إبراهيم الكرخي .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية